نصوص في مواجهة الصراع..  الأسلوب و اللغة الشعرية عند الجزائري مصطفى بوغازي  

 

إيمان مصاروةا | لناصرة – الجليل – فلسطين

اللغة:

إنَّ اللغة هي أداة الشاعرفي التعبير عن معانيه بطريقة مختلفة عما هو موجود في الفنون الأخرى (1) ، وعليها يتوقف نجاح الشاعر وتميزه” وعليه يختار ويتحرى عن الجميل المناسب (2) وبما أن القصيدة تعتمد على البناء اللفظي، يعمل الشاعر على المعنى والتركيب، مما يؤدي الى استقلال دلالاته،وهذا يحفزه من إيحاءات لها دلالتها الخاصة على واقع الشاعرالنفسي، وما يختلج في نفسه من عواطف وأحاسيس.(3) 

واللفظ يشكل المادة الأساسية في بناء القصيدة، واختيار اللفظ يمر بالتجربة الشعورية عند الشاعر والمرتبطة  بثقافته ومعرفته اللغوية وقدرته على تطويع الألفاظ بشكل  يناسب الغرض. يقول الرندي عن مقدمات القصائد:أعلم ان الإبتداء مطلع الكلام وعنوان النظام ومحلّه من القصيدة محل الوجه من الإنسان(4)

فقد جعل الشاعر مصطفى بوغازي من مقدمات قصائده مواقف تسترعي اهتمام المتلقي، والتي عرفها ابن جني بأنها أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم(5).أمّا في الشعرفهي شيء آخرإذ تعدّ من أهمّ مكوّنات البناء الفنّيّ في القصيدة (6). إذن فلغة الشعر  وسيلة للتعبير والتفاهم بين الناس، ولا يمكن بأيّة حال من الأحوال تصوّرقصيدة تخلومن الألفاظ والتركيبات اللغويّة(7). ويمثّل الشعرأعلى جوانب استعمال الإنسان للغة، بل هو فنّ اللغة(8). فاللغة هي همّ الشاعرالأوّل ومحورتفكيره، والشاعر ينظمها من خلال رؤيته وموهبته، ويستثمرا دلالاتها وأصواتها وبنائها وإيقاعها ، وعليه  يتجلّى إبداعه(9). وهو شاعربقوله وخالق كلمات لا أفكار ويرجع تميزه في  الإبداع اللغويّ(10)

إنّ مصطلح (لغة الشعر) يستدعي وجود لغة أخرى خاصّة بالنثر، فالمعجم اللغويّ واحد، وهذا ما جمع بينهما الشاعر بوغازي ، فلغة الشعرهي لغة العواطف والانفعالات والخيال، التي تبعث على الإيحاء، فهي وسيلة وغاية في آن واحد، وهدفها تحقيق قيمة جماليّة شعريّة ممتعة(11).

يقول إبراهيم أنيس عن (الألفاظ الشعريّة): يتخيّرالشعرمن ألفاظ اللغة قدرا خاصّا يسمّى عادة بالألفاظ الشعريّة، يتبنّاها الشعراء ويحرصون عليها أشدّ الحرص،مهما اختلف النقّاد في تحديد سماتها وصفاتها (12) والمقصود بالألفاظ الشعريّة: الكلمات ذات الأثرالفنّيّ التي يختارها الشاعرلينقل المستمع أو القارىء إلى الأجواء الشاعريّة التي يعيشها، “وهذه الألفاظ لايغني غيرها عنها أو يقوم مقامها(13) وعن ذلك يقول عبد القاهرالجرجانيّ:وهل تجد أحدا يقول: “هذه اللفظة فصيحة، إلّا وهو يعتبر مكانها من النظم، وحسن ملاءمة معناها لمعاني جاراتها، وفضل مؤانستها لأخواتها”؟. ومّا يكسب الكلمة جمالها وصفتها الشعريّة أنّ الشاعريفرغها من شحنتها الموروثة التقليديّة، ويملؤها بشحنة جديدة تخرجها من إطارها العاديّ ودلالتها الشائعة(14).

إنَّ الايقاع من أقدم الصفات الملازمة للشعر، وأيضًا إيقاعيّة مصدرها اللفظ بالتكرار والتجنيس والتصريع وغيرها ممّا سمّي بالموسيقى الداخليّة. وبالطبع فإنّ هذه التأثيرات لا تحدث بمعزل عن مغزاها في سياق القصيدة (15). هو التخييل والمحاكاة في أيّ معنى اتّفق ذلك واعتماد الصناعة الشعريّة على تخييل الأشياء ومحاكاتها(16).والخيال يؤدّي إلى سمات أُخرى للغة الشعرمنها الغموض غير المبهم(17).

لغة الكتابة

إنَّ الأديب إلى جانبِ أنه “يأخذ من اللغة فهو مكتشفٌ لها، فيكون بمقدوره أن يجعل أساليبه أكثر ايحاءًا لأنه بما يمتلك من أساليب القول الفني يجعلنا على ثقةٍ بجدوى الجديد الذي يضيفه، ويثيرنا بما يلفت الانتباه إلى الجديد في العمل الأدبي من خلال الصياغة الجمالية للغة)(19)، والكتابة تجربة تكسب اللغة التميزوادراك أسرار لغته وتكون الصلة رابط بين القديم الكلاسيكي والجديد الحداثي، وكما فعل ذلك شاعرنا مصطفى بوغازي في قصيدته “ شفرة حلم”

شفرة حلم

تناعس باب حلم

على جذعه\\ تثاءب صريرا 

ومال على عجل

فالفيت دمعا تمتصه الريح

وهذا قلبي كما علمت \\لا يحتمل

كان  الهمس في خاصرتي

يمتد  من بدء خنجرا

و أراه يمضي إلى أزل

وكما نلحظ في لغة الشاعر ، تنامي الإحساس باهمية الصورة وأساليب تشكيلها، وهذا أكسب النص الدلالة والحيوية، فالألفاظ وعاء يصب فيها الشاعر شعوره ليحقق لنا معاني تكون مرآة تعكس تجربته الخاصة. وعليه فإن الألفاظ” ليس لها ملجأ تأخذ فيه خصوصيتها وتدخل في التصوير إلا في الشعر (20). ولأن الشعر يقوم باستفزاز المعاني الدفينة في الألفاظ وإظهارها، فضلاً عن دور الكلمة نفسها، بما تحمله من بعد جمالي قائم على أساس أصواتها، لذلك يتشكل معجم الشاعر من الألفاظ والكلمات.

ويصبح في بناء القصيدة صوراً من التجربة نفسها والتي تعطي جمالية أعمق للقصيدة من خلال صورها، وطاقة تعبيرية كبيرة عن كل المشاعرالتي يأج بها العالم الداخلي للشاعر الذي  (ينقل الكلمات ذات الإيماء الفني (21) والشاعر مصطفى بوغازي من الشعراء الذين مروا بتجارب متنوعة، وهذا كان سببًا بتنوع معجمه الشعري، ومن خلال الاستقراء وجدت مجموعة من الألفاظ لها حقول دلالية كثيرة،ومنها:

1-0 ألفاظ الحزن

2 0ألفاظ الطبيعة

3-0 ألفاظ الحب

وأما ألفاظ الحزن

لقد شاعت في قصائد الشاعر مصطفى بوغازي ألفاظ عبرت عن تجاربه القلقة والحزينة، التي تصور يأسه وحزنه ، وشكلت معجماً اجتمعت فيه مجموعة من الألفاظ ارتبطت بتلك التجارب،ومن هذه الألفاظ: في قصيدة ” شفرة حلم” 

دمعا \ خنجرا\ نار\ واحترق\ واكتوى\ انقلب\ وتطفئ\ ترشقه\ صريرا\ حفت\ عاصفة\ الخ 

وبرزت  في قصيدة وجع التي كان الحزن ظاهرا من العنوان الألفاظ الحزينة وجاءت:-  \ وجع\ أتعبه\ الراحلون\ هدير\ أزيز\ رياح\ غياب\ خريف\ حزنه\ تجرد\ غمامة\ زمجرة\ موج\ صراخ\ فاجعة\ بتر\ مشوه\ تلعثم\ يلوك\ ريح\ هزيمتها\ انتصار\ ريح\ متربصة\ رياء\ عزاء\ سفر\ انتظار\ مبللة\ عقم\ نفور\ صخب\ رصاص\ داكن\ خديعة\ ملح\ شرخ\ نهايات\ الوجع.

وجع

مرفأ مفتوح على المدى

  ورصيف اتعبه الراحلون

هدير يبتلع وقع الأحذية 

أزيز  سارية

طقطقة  تنذر  بالغياب

رياح بنكهة الصدفة

 زخات تبلل الخشب العتيق

بلون خريف احترف حزنه

و تجرد من براقعه 

غمامة تمسح وجه الشمس

انسل منها نورس نحو الصفاء

زمجرة موج  عاف زبده

  صراخ صامت لفاجعة فقد 

قرصان  بتر ذراعه

احتفظ بلسان مشوه

تلعثم بأول كلمة

 كان يلوك حكاية لم تكتمل 

هبة ريح متربصة

ذؤابة راية  تراقص هزيمتها 

انكسار يهز نشوة التردي 

وانهزام بطعم التباهي 

لوثة لا تفصح عن مقاصدها

دندنة  في مرقص الرياء

عزاء الكمنجات لأوتارها

سفر دون خبز وماء

انتظار بعمر  المواسم

ونوم على عتبة مبللة

لتنتهي الحكاية 

لم يعد يحفظها الأطفال عند النوم

 ابتليت الحروف بالعقم

نفور صخب إلى فورة الانتشاء

صيد  برصاص الخديعة 

 مرافعة باهتة في يوم داكن

نيران صديقة تتمسك بالغفران

لا أشرعة تساوم الريح 

نبتة تتمسك جذورها بالملح

حواف للطحلب تضمد

لحمة شرخ مفتوح

ارتقاء على نهايات الوجع

متلبس بشبهة الوجاهة”

فالمعاني والألفاظ التي صيغ به نص قصة خيبة …

يكشف لنا الشاعر الجزائري مصطفى بوغازي عن مشاعر وجدانية مليئة بالمرارة والألم، تحققت من خلال علاقة الذات بالآخر حتى أصبحت أحزانها لا تفارقها، فهي ترفض أن تزول ونتيجة لهذا الشعور برزت لغة النص بألفاظ عبرت عن هذه المعاناة من قصة الخيبة التي أغرقت روحه بثقوب خلف الباب العتيق.

قصة خيبة …

ذلك الباب العتيق  

 صعر خده  للريح

 تناعس صريره

يربت على قلب هش

ثمة  وراءه..

 تنام خيبة 

ترضع  صغارها

 أثداء الشتاء.

أرض  تعشق صقيعها 

شاعر  وناسك  وسارق 

تطهروا بالكلام،

يرممون الخواء

امطرت السماء \\ نفذ الماء                                                                

من سقفنا 

المثقوب .

استيقظت الخيبة 

على كتف بارد 

 وكنا نغرق،

 حد الاكتفاء

ولا شك أن ألفاظ الحزن التي تصاحب تجربة الشاعر ملأت تجربته ومعاناته من خلال نصوصه التي جمعت في صورها وموضوعاتها كلمات تدلل على ذلك وكما جاء في قصيدته” قصة خيبة\ الخيبة\ نغرق\ بارد\ المثقوب\ نفذ\ الخواء\ سارق\ صقيعها\ تنام\ خيبة\ هش\ صغر\ صريره\ للريح يربت\ تناعس\ هش\ الخ

ويتضح مما جاء أن مرور الشاعر مصطفى بوغازي بالتجارب الحياتية الماضية والحاضرة الذاتية والغيرية وفر له الصدق الفني في صياغة أدبة وأكد على ذلك من خلال تكراره لكلمة ” خيبة” التي تؤكد على حصول ما لم يتوقعه من قبل الآخرين الذي بنى عليهم آمال كبيرة وأصابته الخيبة الكبرى فعبر عن ذلك بمروره بهذه المرحلة الصعبة من المعاناة نتيجة ذلك. (والأدباء أقدر من غيرهم على توصيل التجارب الانسانية والربط بينها بحيث لا تبدو فيها فجوات تباعد ما بينها وتجعل القارئ يقع في حيرة من امره ، بل تشده الى النص من أوله إلى آخره) (22).

ألفاظ الطبيعة 

إن علاقة الشاعر بالطبيعة علاقة قوية، وتبدو واضحة في قصائد الشاعر بوغازي التي نرى فيها شغفه وحبه لها،ولذلك نراه ماثل في أغلب قصائده وموضوعاته،و يلاحظ قاموس كبير من الألفاظ التي تصور الطبيعة وما فيها، ومما جاء في قصيدة حلم على ذمة الانتظار من ألفاظ الطبيعة: أعوام\ ظل\ إله\ جليدا\ تولد\ الطرقات\ تنفسنا\ ربيعنا\ جفاف\ مواسم\ عمر\ نبع\ صهيل\ خيل\ دخان\ غيمة\ ماطرة\ أقحوان\ النبع\  

حلم على ذمة

الانتظار

………………….

أما يتعبك الحبو من أعوام؟ 

مازالت تتعثر ، تغتسل

 بطيف الأماني 

وتصحو على سراب 

 من الأوهام 

 ……………….

وأراك… 

تمسي جليدا على الشفاه 

في وهج احتراقنا 

تولد من الرماد دجالا 

لتصبح فينا\ ظل إله 

يحاصرنا في الصمت 

على الطرقات 

في كتاب الطفل ،

  ودمية البنت 

على الشرفة إذا تنفسنا\ نراه  

في ربيعنا تغتسل الصبايا 

بجفاف المواسم 

تفني العمر على النبع 

ما يسمع صهيل للخيل 

ولا يقبل فارس من دخان 

تهاجر غيمة ماطرة 

تظل ضفائر العذارى معفرة 

ولا يحضنها الأقحوان 

يرف جفن أصغرهن جيلا 

يدرك الشيب شعرها 

تهجر النبع إلى مدن الملح 

تحترف الانتظار قهرا

وتتجسد لوحة الطبيعة بجمالها من خلال صورة النبع الذي يقدمه لنا الشاعر والأقحوان والغيمة الماطرة وصهيل الخيل والتي شكلت لوحة متكاملة اجتمعت فيها رموز الطبيعةالتي اعتدناها بجمالها وكذلك ما برز من ألفاظ في قصيدة ” ردني” من ألفاظ الطبيعة.

كالقطر\ السماء\ زمني\ سحاب\ غيمة\ الأرتواء\ الأرض\ زجاج\ أغسل\ جدائل\ غبار\ مداخن\ غبش\ مساء\ طيور\ أحضان\ قصور\ أكواخ\ زخات\ أزهر\ ملح \ الخ

ردني

رد إلي زمني

وردني  إليك كالقطر

 في رحم السماء

لأمارس التيه فيك

 مثل سحاب عاشق

وفي جيبه غيمة 

 تمسح وجهك الغافي

 حد الارتواء

اتوسد مخمل الأرض

 تنظرني الضحكات 

وراء  زجاج النوافذ

اغسل جدائل الغبار

في  مداخن ادركها 

غبش المساء

ردني لاطعم الافواه جوع الحكايات

 اجمعها طيورا  هائمة

  بين أحضان اطفال

يتوضؤون بزخات

ويبتهجون

 حين تلتهم  اكواخ الفقر

قصور الاغنياء.

ردني إلى زمني 

فان ساعتي واهمة النبض

لا مواعيد تعانقها

وما ازهر ملح

الانتظار

 ومما جاء أيضًا من نص الشاعر مصطفى بوغازي “وجع” وتشابكت فيه ألفاظ الحزن بألفاظ الطبيعة التي شكلت صورًا رغم حزنها جميلة ترتقي لقاموس الطبيعة جاء:

رصيف\ خريف\ زخات\ تبلل \الخشب\ العتيق\ بلون\رياح\ مرفأ\ غمامة\ وجه\ الشمس\ نورس\ صفاء\ زمجرة\ موج\ ريح\ ماء\ مواسم\ مبللة \ نيران\ صيد\ الريح\ طحلب\ الخ

 و نلاحظ في السياق الشعري  لقصائد مصطفى بوغازي، منح الهوية الدلالية للألفاظ، والتي تختلف من نص شعري إلى آخر مما يدلل على ثقافة الشاعر العريضة وتجربته الشعرية التي تتشح من خلال النص الذي يقدمه للقارئ .

ألفاظ الحب

وفي نص شعري آخر جاء تحت عنوان ” في البدء” يحاكي الشاعر محبوبته بعاطفة جياشة من خلال ألفاظ وعبارات خالية من التعقيد

اللغوي معبرًا عن مشاعره بلغة بسيطة وسهلة  وكشفت دلالات النص المفعم بالعواطف عن تكرار كلمات (كان الحب\ وكنتِ\ ازمنتي كلها\ واعيادي\ الهدايا\ تغازلني\ الورد \بالوانه \وعطره\ القلب\ حضورك\ طيفه\ العيد \ اجراسه\ قلبي \ونبضه) وهنا يكشف الشاعر عن  سهولة اللغة التي استعان بها في رسم عواطفه، وخلال بثه للطاقة الشعورية تحول إلى تكرار بسبب عفويته التي أملت عليه ببث مشاعره تجاه المحبوبة، فاستطاع وتحول ذلك الفيض من الشعور، إلى صورة نابضة داخل قصيدة في البدء.

كان الحب أنت وهذا يومه

 وكنت من الاول

 ازمنتي كلها

 واعيادي قبله

لا الهدايا بشراشيفها  الحمر

تغازلني فيك

وهذا الورد بالوانه وعطره

ولا القلب يسهو 

عن حال الذي به

ولا ات من الايام يذكره

ما رف لي جفن

الا في حضورك

وما لاح خيال على بالي

إلا وكنت طيفه 

عاد العيد يدق اجراسه

ومازلت قلبي ونبضه

والشاعر هنا يخاطب  محبوبته بلغة ذات طابع بنائي سهل، وإن هذه السهولة  أثرت على بناء القصيدة ولاءمتها مع البناء الايقاعي للنص ، وهذا البناء السهل نجح في تحقيق صورشعرية نابضة على الرغم من خلوه من غموض الاستعارات والمجازات في النص حيث طغت المباشرة والتقريرية عليه.

الأداء باللغة السهلة 

على الرغم من ميل الشاعر مصطفى بوغازي للوضوح وابتعاده عن الألفاظ المعقدة أو الغموض فقد حافظ على بنائه الفني من خلال قاموسه الشعري الذي ميز فنية قصيدته، فالشاعر بوغازي وفي هذا النمط من الأداء كتب باحساسه وحالته الشعورية كما هي مطبوعة في وجدانه  وهذا أثر على لغته الغير متكلفة والواضحة والتي بدت أحيانًا مباشرة، وبأسلوب  السهل الممتنع بعيد عن الصناعة اللفظية ممثلا لحالته لحظة التكوين الشعري للقصيدة.

وهذا لم يبعد الشاعر عن وقوعه في منزلق النثرية والقصيدة بالشعر. بل على العكس أثبت أن تجربته في القصيدة الموزونة الكلاسيكية لا يستهان بها، والقاموس اللفظي والشعري الخاص بتجربته العميقة والواضحة. ففي قصيدته العمودية التي جاءت تحت عنوان “لنا الله “يقول:- 

لنا الله ..

ارفع دعاءك فالعباد تُردد

  هُجرت معابدنا وعز المسجد

العبد من ذعرٍ توسل ربهُ

الله أكبر،  فوق ضر يشهد

غلبت تدابير الخليقة وانحنت

صوب القدير له تقوم و تسجد

وتساءلت عما بها الامصار إذ

تدنو وتغرق في الوباء وتُبعد

بَدَتِ السماء كأنَّ صوتَ وعيدها

في كل مصرٍ يغتلي ويهدد

وتناءت الأرحام ، لم يُأبه لها

  رحماك ،تطمح للوصال وتنشد

هذا الوباء وكل أمركَ نافذٌ

عظمت ذنوبي أنت أنتَ المقصد

ارحم عبادك من وباءٍ إننا

في كل ارضٍ نرتجي نتهجدُ

وجاء واضحًا من ألفاظ الشاعر أنه أدخل الفاظًا جديدة بما ويتناسب مع موضوع الوباء الذي ألم بالعالم، وهذا يثبت أن بوغازي رسول لزمنه في حمله الهم العام والتضرع إلى الله بأن يزيل هذه الغمة عن بني البشر ونظراً “لارتباط اللغة بقوانين التطور، فالشاعرالجيد هو الذي  (ينمي أسلوبـه الخاص..تبعا لذوقه ومزاجه”(23) فضلاً عن تأثره بالتطورات الحضارية وكما رأينا في قصيدة الشاعر مصطفى بو غازي وهو يوصف حال العالم في جائحة الكورونا والتي تعتبر حداثية الموضوع. ومن خلال ما جاء نجد أن الشاعر بو غازي  قد غاص في كم كبير  من الألفاظ، ينتقي منها اللائق والمناسب الذي يوافق خلجات نفسه ومستجدات عصره فاستطاع من خلال خبرته ودرايته وثقافته اللغوية ان يطوع الألفاظ بما يلائم وغرضه الشعري، ومن الألفاظ التي برزت في قصيدته لنا الله وتدلل على حال ونفسية وخوف الشاعر من النتائج الوخيمة للفايروس جاء: ارفع دعاءك\ فالعباد تُردد\ هُجرت معابدنا \وعز المسجد\ توسل ربهُ\ الله أكبر\ صوب القدير له تقوم و تسجد\ تدنو وتغرق في الوباء وتُبعد

\ هذا الوباء وكل أمركَ نافذٌ\ عظمت ذنوبي أنت أنتَ المقصد\ ارحم عبادك من وباءٍ\ في كل ارضٍ نرتجي نتهجدُ\ الخ

لذلك جاءت هذه اللغة معبرة عما يدورفي مخيلته،التي امتازت بصفائها وايمانه الكبير بأن رب العباد هو المخلص الوحيد لهذه الغمة، وبعيدا عن التكلف وهو بلا شك ذا جذور نابعة من لغة الشعرالقديم ، لذلك وجدت أن أتناول شعره على اختلاف ألفاظه وبنائه .

الأسلوب

إنَّ الأسلوب هو وسيلة الشاعرفي نقل أفكاره وعواطفه وأخيلته، وفيما يخصُّ أسلوب شاعرنا بوغازي  لقد نوع في موضوعاته الشعرية،  وعن ذلك الأسلوب قال القاضي الجرجاني(ت 392هـ) “ولاآمرك بإجراء أنواع الشعر كله مجرىً واحداً، ولا أن تذهب بجميعه مذهب بعضه، بل أرى أن تقسم الألفاظ على رتب المعاني،فلا يكون غزلك كافتخارك،ولا مديحك كوعيدك،ولاهجاؤك كاستبطائك ،ولاهزلك بمنزلة جدك…بل ترتب كلا مرتبته وتوفِّيه حقه(24).

فالمتلقي يستطيع أن يميز عندما يكون دارسا ومثقفا وعندها يكون متأملا للنصوص التي

يقرؤها، وبعد فان حاضر الشعر الحديث وأزمته ومستقبله لا تقرره دراسة أو ورقة، لان الشاعر الأصيل  في مختلف أوقاته كان ظاهرة لا يمكن أن تمر بدون اثارة اللغط والاعتراض والنقد بدءا من امرئ ألقيس ومرورا بالمتنبي وانتهاء برواد الشعر الحديث.

إن الشاعر الأصيل يحمل دائما مبدأ إدخاله لكل جديد مبتكر في قاموسه.وغبار دائرة الرفض لا تخفي هالة الشاعر  ولا تجرده من تاج التميز طال الزمن او قصر بين لحظة النطق ولحظة الاعتراف بأصالته وإيداعه وشاعريته وبعد العبور على الشوك واجتياز امتحان التفرد الإبداعي يبدأ اجترار إبداعه واختلاس بريقه (25)

وهنا يأتي دور النقاد لإثبات الشاعر من غيره وتمييز الغث من السمين ومعرفة قدرته  المبدع على مواصلة رحلته الشعرية والابداعيةله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع والمصادر

01ا نظر:لغة الشعر بين جيلين،د.ابراهيم السامرائي،دارالثقافة- بيروت- لبنان.المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت،ط2، 1980,ص8

2 0 نفس المصدر,ص8

3 0انظر:النقد الادبي،د.شوقي ضيف،دارالمعارف-مصر،ط3، 1962 ,ص129

4 0الوافي في نظم القوافي،لأبي البقاء الرندي،نسخة خطية في خزانة ليدن(النسخة المشرقية ),ص59

5 0 الخصائص،ابن جني،تح:محمّد عليّ النجّار ،دارالهدى،بيروت، ط2 ,ص 1/33،

وينظر:لسان العرب،ابن منظورالأفريقيّ،دارصادر،بيروت، 1955,ص مادّة (لغا) .

6 0 ينظر: بناء القصيدة عند الشريف الرضيّ (بحث)، عناد غزوان، ضمن كتاب (الشريف الرضيّ ـ دراسات في ذكراه الألفيّة)،دار آفاق عربيّة، بغداد، 1985,ص203.

7 0ينظر:بناء القصيدة الفنّيّ في النقد العربيّ القديم والمعاصر،مرشد

الزبيديّ ،دارالشؤون الثقافيّة العامّة،بغداد، 1994,ص 26.

8 0 ينظر: نظريّة البنائيّة في النقد الأدبيّ،صلاح فضل، دار الشؤون الثقافيّة العامّة ، بغداد، ط3 ، 1987: 374

وسياسة الشعر،أدونيس،دارالآداب،بيروت،ط1، 1985 ,ص 80

واللغة الشعريّة في الخطاب النقديّ العربيّ،محمّد رضا مبارك،دار الشؤون الثقافيّة العامّة ، بغداد ، ط1، 1993 ,ص119 .

9 0 لغة الشعرالحديث في العراق،عدنان العوّاديّ،دار الشؤون الثقافيّة والنشر ، بغداد ، 1985 : 9.

10 0 ينظر: بنية اللغة الشعريّة ،جان كوهن ، ترجمة :محمّد الوليّ ومحمّد

11  0ينظر:بناء القصيدة الفنّيّ في النقد العربيّ القديم,ص28، 30.

12 0من أسراراللغة،إبراهيم أنيس،مكتبة الأنجلوالمصريّة،ط7 ، 1985, ص 336 ،

وينظر:لغة الشعر(بحث)،جميل سعيد، مجلّة المجمع العلميّ العراقيّ،بغداد ، م19، 1970,ص 96.

13 0ينظر:لغة الشعرفي القرنين الثاني والثالث الهجريّين،جمال نجم العبيديّ،رسالة دكتوراه ،جامعة بغداد ، 1990 : 7 ، 13.

14 0 ينظر: زمن الشعر،أدونيس،دارالعودة،بيروت،ط2، 1978,ص 40.

15  0 لغة الشعر الحديث في العراق : 27.

16 0 ينظر:  أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجانيّ، قرأه وعلّق عليه: محمود محمّد شاكر، مطبعة المدنيّ، القاهرة ، ط1، 1991,ص 118، والمثل السائرفي أدب الكاتب والشاعر،ابن الأثير،تحقيق:محمّد محيي الدين عبد الحميد،المكتبة العصريّة،بيروت، 1995,ص2/414 ، وبنية اللغة الشعريّة: 25، ولغة الشعر جميل سعيد ص 97 .

17 0 ينظر: لغة الشعر بين جيلين:12.

19-0 الأدب والموقف النقدي للدكتور عبد الفتاح ابو زايدة ط2  دار المقداد للطباعة ، غزة ، فلسطين 2006 ص 145 و ص .137

20-0 اللغة العليا، النظرية الشعرية،جان كوهن، المجلس الاعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، 1995.ص133

21-0 الادب وفنونه، عزالدين اسماعيل، القاهرة، 1963.ص32

22-0 الأدب والموقف النقدي للدكتور عبد الفتاح ابو زايدة   ط2  دار المقداد للطباعة ، غزة ، فلسطين 2006، ص 102

23-0الشعركيف نفهمه ونتذوقه،الزابيث درو،ترجمة ابراهيم محمد،مكتبة مينمة- بيروت- نيويورك، 1961 ، ص87

24 0انظر:أسس النقد الأدبي عند العرب،دـ أحمد بدوي،مكتبة نهضة مصرـ القاهرة، 1964,ص 430.

25-0 مستقبل الشعر, جريدة الحياة.ص 87

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى