بناء الاقتدار المعرفي لجميع الشرائح الاجتماعية     

سعيد مضيه | مفكِّر سياسي ومترجم – فلسطين

 خلف النفور من رسالة اليسار تقبع “عوامل التخلف العقلي والقحط العاطفي والشلل الفكري التي احدثها الإرهاب الاستعماري وحكم الأنظمة الأبوية”، تلك الآفات النفسية والعقلية الفتاكة . وكل من تطاله ترسبات الهدر وتصيبه عدوى المرض لا يتطلع الى تحرر ولا تنتابه أشواق الديمقراطية؛ لا يشعر بأية مسئولية اجتماعية. هذه العوامل تبقى كوابيس تسحق النفسية الاجتماعية  والوجدان الجمعي حتى بعد زوال أنظمة الهدر والقهر . ضمن هذه الحالة على قوى اليسار أن لا تغرق في مستنقع الحيرة ولا تلوم الزمن الرديء؛ رداءة الزمن انعكاس لرداءة من عهدت اليهم المرحلة قيادة حركة التحرر والديمقراطية.

لكل داء ترياق، وللانسحاق النفسي، الفردي أو الجماعي، ترياق. إحلال الصحة النفسية من خلال  استنبات الثقة بالنفس لدى الجماهير المسحوقة، واستنهاض العزائم والإرادات هي موضوع علم النفس الإيجابي التي يتوجب على المناضلين الديمقراطيين وقيادات أحزاب التغيير الاجتماعي الالتفات اليها واستيعابها والاسترشاد بها في نشاط التغيير الاجتماعي. وكل الانقلابات والحركات التي تجاهلت المهمة، جهلا أم إغفالا، أعادت إنتاج الاستبداد ودفعت الناس للتحسر على الماضي.  وانتفاضة يناير في مصر مثال.  الجماهير التي انتفضت تزيل رموز الفساد والاستبداد لم تنفض عنها آثار العطب النفسي، جريرة عهود الهدر المديدة. فهذه اكثر تجذرا بالنفس والعقل. صعوبة البدايات ناجمةعن عقد إضافية للهدرأورثتها ديناميات تفضي الى احتقان يعطل التفكير؛ المهدور، إذ  يذعن للهدر، يحاول مداراة إذعانه بتوسل افتعال او اكثر يحقق بها توازنا نفسيا وهميا. وسيلة التوازن بالتكتم على الهدر أخطر من الهدر الخارجي . أخطر تلك الأساليب هو الاكتئاب، وأقل منه التوتر وسرعة الاستثارة وردود الفعل الانفعالية المبالغ فيها. تبدأ حينذاك النظرة العقلانية بالبروز والنمو مما يشكل الشرط الأول للشفاء من الهدر الذاتي. وهذا يتطلب الوعي والحزم والإصرار على المثابرة.  كثر هم الباحثون في هذا الحقل المعرفي، وقد تتباين اجتهاداتهم ، الأمر الذي يتطلب من الكوادر الحزبية التجريب وإعمال الفكر لدى الاضطلاع بمهمة المعالجة النفسية لضحايا الهدر وترميم الروح الجماعية من أعطاب الهدر.

تؤكد الفلسفة العقلانية ضرورة الوصول الى استراتيجيات إدارة الحياة بفاعلية، بحيث نصبح أناسا أكثر قدرة على التحكم بتوجيه الذات، واستعادة اعتبار الذات وتعلم الاستقلالية وتعلم مبدأ الواقعية بلا أوهام.

يرى خبير الصحة النفسية ، الدكتور مصطفى حجازي في كتابه ” الإنسان المهدور” ان “المعركة لكشف الهدر واجتيافه (ابتلاعه) وإعادة إنتاجه لا تقل أهمية عن المعركة مع الهدر الخارجي ( هدر الطغاة). والخطوة الأولى في مسيرة الكشف تتمثل في الوعي بالدفاعات ضد الهدر والدينامات النفسية المتولدة عن الهدر وأبرزها الاكتئاب والغضب والتدمير والانشطار الذاتي . الاكتئاب واجترار العجز هما أبرز مظاهر الموات.

فمن يكتئب يعجز عن االفعل ويجد في كل أمر مشقة ويحرم بالتالي  من إنجاز أي مهمة. أما من يرفض يعارض الهدر يتطلع نحو مهمة اجتماعية أو  وطنية ولا يكتئب.  معالجة الاكتئاب والانفعالية والتمويه تأتي في المرتبة الأولى من الاهتمام. هكذا فإن “أول تجليات الكفاءة هي الكفاءة النفسية التي توفر أساس نماء الطاقات الحيوية. كما أنها توفر المناعة بوجه التحديات والصعاب والمخاطر[ 316 ] . الكفاءة النفسية تتيح تامل الواقع واكتساب الوعي بالواقع. فبعد ان كان المرء، موضوعا من الواقع،  مهمشا، ينفصل عن الواقع ويبدا التحكم بالواقع والسيطرة على سيروراته. “من أهم مقومات الحياة الطيبة حب الشخص لحياته والوفاق مع ذاته ومع الدنيا والناس. وفي التقدير أن كل إنسان مهدور لديه فرصة طيبة كي يجد من ضمنها وسيلة أو أكثر للتعامل مع شرطه الوجودي الخاص به. ليس هناك حلول جاهزة ؛ إنما أدوات للتوظيف بأساليب وكيفيات نوعية تبعا لحالة كل شخص[328].

 الحركة الوطنية بإمكانها جذب الشرائح المهدورة الى الحياة الطبيعية من خلال طرح المهام الوطنية، ولإفهام الشرائح انها قوة الإنجاز. “الارتباط بقضية كبرى يغير دلالة الذات ويغير دلالة الأزمات. يخفف وطأة الشدائد ويجعل الديمومة متحركة نظرا لارتباطها بأمل تحقيق الغايات المستقبلية، وتعبئة الطاقات من أجلها. وهذا يقضي على مأزق الحاضر وتجمد الديمومة, وهذا هو الدرس الأساس الذي تعلمنا إياه سير كبار المناضلين والمكتشفين والمبدعين ممن يشكلون رواد النماء الإنساني ويشقون مسالكه ويقدمون نماذجه” [343].

بهذه العدة يستطيع المرء دخول مرحلة الاقتدار المعرفي القائم على كفاءة العلم المستدام وكفاءة توظيف الطاقات الذهنية في مبادرات معرفية جريئة وطموحة والتي أصبحت وحدها تضمن الدور والمكانة في الشراكة العالمية[314]. إن أي تنمية للإنسان ، خاصة التربية والتعليم، باتت تتطلب مشروعا وطنيا لبناء الاقتدار الشامل لمختلف الشرائح السكانية، خصوصا الطفولة والشباب والمرأة.

كان لينين يولي الاهتمام الكبير بالنفسية الاجتماعية، وكانت خطبه تتوجه نحو المفاهيم الداجة تنقض بعضها وتدعم البعض الآخر . كان ينطلق من المعلوم الى المجهول . مؤلفات لينين بها كتابات موجهة للمثقفين والكوادر الحزبية مثل المواضيع الفلسفية تعتمد منطق العقل ومفاهيمه؛ وخطابات أو كراسات موجهة للشعب يخاطب بها النفسية الاجتماعية، يستثيرها ويحفزها للنهوض، يستقطب تأييدها لبرنامجه السياسي.وبالمثل نحى انطوان غرامشي فدعا اللا الانطلاق من الحكمة الشعبية باتجاه النظرية الماركسية.

تمثل الكفاءة الاجتماعية الركن الرابع من أركان الاقتدار، وتتمثل في الذكاء الاجتماعي، الذي يشكل البعد المتعلق بالآخرين وتفهمهم واستيعاب حالاتهم الوجدانية ومواقفهم وحاجاتهم . يتجلى ذلك في القدرة على التواصل والتفاعل والمشاركة والقيادة الجماعية والتعاون وسواها، والروح الجماعية من أبرز عناصرها. في عصر الانفتاح العالمي على مستوى الثقافات والسياسة والإعلام والاقتصاد يتزايد وزن وأهمية الكفاءة الاجتماعية في مجال مهارات العمل والقيادة والتسيير والتفاوض والتعاقد والتعاهد، مما بات يحكم الحياة الراهنة. “في عصر الاستهلاكية تتعاظم إغراءات الانهيار ليس الخلقي فقط بل في قيمة الإنسان إلى مجرد مستهلك . فقد حملت هيمنة اقتصاد السوق مزيدا من أخطار انتشار أفات الفساد الكوني من رشاوى ومحسوبيات وتبييض أموال وتهريب المخدرات والسمسرات. باتت الحصانة الخلقية ضرورة للحفاظ على التوازن الذاتي والاحترام الكياني، وباتت تنطوي على أهمية حيوية من حيث الجهد البناء طويل النفس بدلا من اقتناص الفرص[318] .

يحدث كثيرا مع الانغلاق داخل نمط محدد من التفكير أن يتطور ذلك إلى نوع من التعصب. نجد ذلك التعصب لدى حملة الشهادات العليا، ونجده لدى العلماء حين يرون قطاعهم العلمي هو الضرورة الاجتماعية العليا او حتى الوحيدة. ونجده كذلك في الجمود العقائدي، التشبث بأفكار معينة ورفض تطور الواقع وتطور النظريات والتنظيرات . من الأمثلة الصارخة على هذا النمط من التعصب رفض المتعصببن لإسرائيل الوقائع الدامغة على نهجها العدواني وتوسعها الاستيطاني وانتهاكاتها للقانون الدولي. وبالمثل نجد التعارض بين قناعات البعض وتصرفاتهم.

تتشكل مع الأفراد والمجتمع بأسره آلية نفسية داخلية نتيجة الممارسة والتفاعل مع معطيات الحياة تتمثل في بعدين أو أكثر أحدهما الحفاظ على البنية من خلال انتقائية مفرطة وتعميم الأحكام والرؤى وتضخيم المعطيات والأفكار المؤيدة لها والتنكر للمعلومات والوقائع المعارضة. ويندفع الإنسان من ثم إلى إثبات صحة هذه البنية بكل الوسائل والأسانيد المتوفرة، بل هو يصل حتى اختلاق السلوكات المكرسة لها. حتى أن الإدراك المعرفي والقناعة العقلية يظلان عاجزين عن التغيير لأنهما يلقيان مقاومة على المستوى الوجداني . تلك هي الحالة الثنائية بين ما يصرح به عقليا ويدافع عنه في الشعارات ، وما يعاش على المستوى الوجداني المخالف للشعارات[322]. مدير مؤسسة يتحدث عن الديمقراطية ويمارس الاستبداد في دائرته ويرفض أي رأي معارض. مناضل يحمل أفكارا تقدمية، لكنه يستبد بأسرته مشكلا الصورة النموذجية  للنظام الأبوي.

 

علم النفس الإيجابي

طور البرت أليس (1995) الفلسفة العقلانية النمائية في الحياة، حيث يتحرر المرء من عقد الماضي المدمرة ذاتيا . علم النفس الإيجابي يعزز الاقتدار الذاتي. وهو تيار حديث جدا في علم النفس انطلق على يدي سيليجمان رئيس الرابطة الأميركية لعلم النفس. يركز العلم على أوجه القوة في الإنسان بدلا من أوجه القصور؛ وعلى الفرص بدلا من الأخطار وعلى تعزيز الإمكانات بدل التوقف عند المعوقات. يهدف العلم إلى تنشيط الفاعلية الوظيفية والكفاءة والصحة الكلية للإنسان، بدلا من التركيز على الاضطرابات وعلاجها، من أجل توفير وسائل بناء الاقتدار الذاتي عند الكبار والصغار والشباب سواء بسواء، وذلك على مختلف مستويات الذهن والمعرفة والسلوك والمهنة والحالة الاجتماعية العامة. “والواقع أن علم النفس الإيجابي ذاته انطلقت بذوره الأولى من التفكير الإيجابي او الواقعي تحديدا . من ضمن حركة الإصلاح المعرفي وعلم النفس المعرفي اللذين أصبحا يحتلان مركز النجومية في توجهات علم النفس المعاصرة” [327].

إن طريقة ألبرت أليس تسير في منحى  الشغل على المعتقدات الخاطئة والسلبية ومحاولة تحويلها إلى أفكار واقعية . وفي حال فشل الفكرة الإيجابية في تعديل الحالة الانفعالية نكون عندها بصدد تكوينات نفسية يسمونها ” قناعات نواتية” تاريخية ومكبوتة وتحتاج إلى الكشف عنها من خلال أساليب استقصاء مكونات النفس البشرية.  المهم في كل هذا المساعدة على التدرب على التفكير الإيجابي باعتباره الضامن للاقتدار في التعامل مع قضايا الحياة وأزمتها[330]. التفكير الإيجابي لا يغض النظر عن سلبيات الحياة الفعلية؛ ولا يتغافل عن سلبيات الواقع إنما النظر في السلبيات والإيجابيات، يحذر من الإفراط في تعميم النظرات الإيجابية التي قد تؤدي إلى تجاهل الواقع في غناه وتعقيداته وأخطاره. وبصدد الذات فالتفكير الواقعي ينبغي أن يظل إيجابيا ولا يدع اليأس يتسرب إلى ذاته. نظرة ايجابية للذات تحافظ على قوى الفعل والنماء حتى ضمن الظروف غير المواتية[331]. تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة حسب أنطوان غرامشي

الوعي يأتي في مقدمة التفكير الإيجابي، وعي بالإمكانات والقدرات والفرص، يشكل الوعي بالفاعلية الذاتية قلب القلب من نواة الاقتدار الإنساني، فهو يدفع للتحرك والتدبر حتى في الوضعيات التي تبدو بدون مخارج. إنه المحرك الهام للدافعية والعزم والتصدي والإقدام ومجابهة التحديات، وابتداع الوسائل الأرقى والأكثر تعقيدا ، والتي بدونها لا يمكن للمرء إنجاز أي شيء حتى لو استطاع إلى ذلك سبيلا[331]. وتعرّف الفاعلية الذاتية بأنها تلك العلاقة ما بين القدرة الشخصية المدركة وبين السلوك والحالة المعنوية…. والعديد من الكفاءات المحددة للاقتدار الإنساني تشتق من اقتدار الجماعات التي ينتمي إليها الفرد ويعيش وسطها. الإنسان ابن مجتمعه؛ وهذا يندرج  في مهارات الفنون والرياضة والإبداع الأدبي والنضالات الوطنية. إن إدراك المرء لإمكانات واقتدار محيطه الإنساني يعزز كثيرا من قدرته الذاتية على المجابهة والفعل. ويطلق لديه فاعلية عالية للمثابرة والاستمرار[332]. والتفاعل فيما بين الذاتي والاجتماعي يطلق طاقات على الفعل يتمخض عن الخروج من مرض الهدر الكياني وتحسين الصحة النفسية، ورفع مستوى القدرة على توجيه الذات ومواجهة الشدائد والتحصن ضدها…. تنفتح اليقظة الذهنية المتسمة بالمرونة على الجديد في المحيط وتتنبه لما فيه من إمكانات ليست جلية للوهلة لأولى،… وإذ يتمسك الإنسان المهدور باليقينيات في مواقف دفاعية، فلأن الوعي بتحول الأشياء يزيد من قدرة المرء على المبادرة ومقاومة الشدائد والتغلب على الخوف من التغيير. تلك هي سمة العصر : تسارع التحولات وانعدام اليقين بثبات الأمور وحتميتها في مجالات التكنولوجيا والسياسة والاقتصاد والعمالة والمجتمع . اليقظة الذهنية وتفتح آفاق الرؤية والوعي بالتحولات والتغيرات والاحتمالات تتيح وحدها التعامل الناجع مع الوضعية المضادة للثبات والقطعية[333] .

اليقظة الذهنية تفتح المجال أما مقوم آخر من مقومات التفكير الإيجابي مما يتمثل في المرونة والتلاؤمية على مستوى النشاط الذهني خصوصا ، والنمو عموما. وتعرف التلاؤمية ( المرونة الذهنية والسلوكية) بأنها القدرة على تدبير الأمور في الظروف الصعبة أو المهددة أو حتى في حالا المحن بمقاربة فعالة وناجعة [334]. فقد يكون التقدير متفائلا او متشائما في التعامل الفعال مع وضعية معينة . فليس التفاؤل هو الواقعي دوما ، كما أن التشاؤم ليس هو الفاشل بالضرورة . يكمن سر الاقتدار المعرفي في متى يتعين ان نكون متفائلين أو متشائمين كي ندير الوضعية بفاعلية.المهم أن نظل في وضعية مبادرة وقدرة على الفعل، وابتداع وسائل ومقاربات مغايرة، أو حتى استبدال الأهداف ذاتها[335].

يندرج هذا المنظور ضمن ثلاثية الاقتدار المعرفي المتمثلة في الانتقاء والتعظيم والتعويض. إنها ثلاث عمليات أو سيرورات أساس في توجيه النمو عبر مسار الحياة، ما ينطبق على المجتمعات كما على الأفراد كما الخلية الحية . … يوجه الانتقاء قبلا حسن اختيار الأهداف، وتوجيه الإدراك والنشاط المعرفي بشكل انتقائي يوفر أفضل خدمة لها. .. أما التعظيم فيتمثل في عملية تعبئة المهارات والإمكانات والوسائل وتنظيمها بأكبر درجة ممكنة من الفاعلية والجدوى ، بما فيها تفعيل المتوفر وتطويره وتنميته، واكتساب الجديد الإبداعي. . أما التعويض فيتمثل في استخدام وسائل بديلة حين تعجز الوسائل الحالية ، أو تفقد فاعليتها[335]. الاستجابة الإيجابية للخسارة تشكل واحدا من أبرز مظاهر الاقتدار المعرفي على صعيد التعويض. … يتمثل التفكير الإيجابي في الخسارة، إذاً في حشد الطاقات والامكانات وإعادة تنظيم التوجهات والأولويات ، بحيث تعاد للحياة معناها وتعاد مسيرة تحركها النمائي[336].

بالأمل تنجز المهام

هنا يقف ” اسلوب التفسير المتفائل” على الضد من التفسير المتشائم . وتطور المفهوم على يد سيليجمان في كتابه المعروف جيدا ” التفاؤل المتعلَم”، كما طوره آخرون بالمنحى نفسه. ينطلق التفسير من نظرية العزو التي يكونها الشخص معرفيا من الأشياء والأحداث والوضعيات والمحن، وعن نفسه ذاتها[336]. إزاء التفاؤل تدرك الخسارة أو الشدة على أنها محدودة ضمن حيز ما، وما زال بالإمكان بدائل تعويض. كما يدرك الأسلوب المتفائل المحنة أو الخسارة على أنها انتكاسة مؤقتة. وبالتالي فإن إمكانات الانطلاق من جديد متاحة، بتوسل الوسائل الملائمة. وعلى مستوى الذات يحافظ المرء على الثقة بالنفس بما يبقي الطاقات متوفرة لجولات جديدة. يحافظ التفاؤل على الأمل والمعنويات العالية ويندفع للحلول التعويضية البديلة. من جانب آخرا يؤدي أسلوب التفسير المتفائل إلى التخلي عن أهداف تشير الدلائل الموضوعية إلى تعذر إمكانية تحقيقها، في نوع من التحلي بالنظرة الواقعية التي لا تستسلم لليأس، بل تحافظ على الدافعية للسعي. لا يعتبر التراجع في هذه الحالة هزيمة وعجزا، بل واقعية في التقدير، وحسن توجيه الذات، انطلاقا من الرؤية المعرفية للحياة بأن لها فرصها وإرغاماتها، بما يتعين الدراية في حسن التعامل معها[337].

طور باحثون في علم النفس الإيجابي نظرية في الأمل باعتباره يمكن أن يلعب دور العدسة لرؤية أوجه الاقتدار عند الأشخاص، كما عند الجماعات والأوطان[338].  الأمل الفعال هو المرتبط بالاعتقاد بالقدرة على تحقيق الأهداف، من خلال إ ابتكار السبيل لذلك ، والسعي للسير عليها بدافعية عالية ، في حالات تتصف بالاحتمالية ، او بمقدار معين من انعدام التأكد ، حيث يبرز الأمل الفعال عند هذه النقطة تحديدا، من خلال آليتين معرقيتين:

الأولى تتمثل في التفكير الوسائلي، أي البحث عن سبل الوصول وتعظيمها وتنويعها. فالإنسان الذي يحدوه الأمل في تحقيق أهدافه يشعر بالقدرة على إيجاد السبل والوسائل للوصول إليها. وكلما ارتفعت درجة الأمل زادت القدرة على إيجاد الوسائل والبدائل.

والثانية في التفكير التدبيري، ويعني تعبئة الطاقات والموارد للسير في طريق التنفيذ من خلال الجهد الواعي و المقصود. وهو يتضمن المبادرة إلى استخدام هذه السبل ومتابعة السير عليها وهو واثق من النجاح[338].

الأمل حالة وجدانية ونظام تفكير يقوم على إدراك القدرة على التدبر والتنفيذ والمثابرة عليهما. الواقع ان القدرة المدركة تعزز الحالة الوجدانية، التي تعود بدورها فتعزز القدرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى