ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (55)

محمد زحايكة | القدس – فلسطين

يعقوب فراح .. حالة خاصة من الحراك والتفاعل الإيجابي الدائم مع واقع  مفروض ومرفوض

مثل الزنبرك و الدينمو الذي لا  يهدأ  كان الصاحب يشاهد  النقابي والخياط  العريق الماهر،  يعقوب فراح يذرع شوارع القدس جيئة وذهابا وابتسامته لا تفارق محياه المشع ببهجة الحياة.. يتحرك كبندول الساعة  في مختلف ساعات النهار والليل إذا اقتضت الحاجة.. وفي أوائل ثمانينات القرن العشرين كان الصاحب يلاحظ أن أغلب المحيطين بهذا الديناميكي هم من الشيوعيين .. فظنه الصاحب كذلك ، ولكن تبين بعد  سنين  طويلة انه من أنصار  جبهة التحرير العربية  التابعة للعراق منذ  ايام  الراحل أسد الرافدين المهيب الركن  صدام حسين المجيد.. فتعجب الصاحب من أمور الدنيا ، وكانت بمثابة صدمة معلوماتية للصاحب الذي كان يزعم معرفته بدبة النملة وكونه يعرف البيضة مين باضها   والجاجة مين جابها.

وكان الصاحب يلتقي مرارا  بيعقوب فراح أبو أحمد سواء في مقره بمخيطته المعروفة  في حي  واد الجوز بجانب مقر  نادي الموظفين العريق  أو شوارع ومؤسسات القدس ويتبادل معه أطراف الحديث الذي يتشعب إلى قضايا عامة وخاصة  كثيرة،  فيدرك  الصاحب أنه أمام شخص من العارفين  والمطلعين على خبايا كثير من الأمور  حيث يسرد حكايات محشوة بمعلومات غزيرة ومتدفقة، من أسماء أشخاص وأماكن وتفاصيل مدهشة تدل على شخصية متفاعلة تغوص في أعماق مجتمعها بحيث أصبحت بمثابة مستودع أسرار  في مجالات سياسية ونقابية واجتماعية .

ولاحظ الصاحب أن (أبو أحمد) حكّاء مقتدر وماهر  ومتدفق يصعب إيقافه أحيانا لأنه يندمج  في حكاياته المتداخلة  التي لا تخلو من مفارقات غريبة ومدهشة ويسترسل في حكاياته وسوالفه  الممتعة إلى ما شاء هو .. كما يمكن ملاحظة انه انسان خدوم ويحب التطوع والعطاء بلا حدود، مقتطعا  من وقته وجهده لهذا  العمل الإنساني والخيري ، وأنه امين في إيصال الأمانات إلى أهلها أو مستحقيها .. ويبادر  إلى تقديم المساعدة بقلب طيب وشعور بالامتنان ويشعر بالسعادة والفخر لعلاقاته الواسعة المتشعبة مع مختلف الفئات والاطياف السياسية والمجتمعية .

وساعده كونه نقابيا وخياطا في أن يقصده الكثير من رموز العمل الوطني والشعبي والمؤسساتي للتشاور معه أو طلب بعض الخدمات أو لحياكة  الملابس، فغدا نارا  على علم  خاصة وأنه كما ذكرنا يبادر إلى نسج العلاقات مع الجميع بحيث يصبح إلى حد ما ، محل إجماع مختلف المتعاملين معه.  وبسبب علاقاته الواسعة  هذه وتجاربه مع أشخاص متنوعين  ومختلفين، أجاد فن التعامل مع بعض المواقف الحرجة والصعبة سواء في الحياة العامة أو على مستوى المهنة، عندما ابتدع على سبيل المثال حلا  لفستان سهرة لام جريس عقيلة الراحل الياس فريج  رئيس بلدية بيت لحم ، تبين به خرقا في مكان بارز، وفي وقت قياسي قام  بزرع دبوس مذهب مكان الخرق أو الفتق، بحيث بدا  متناغما  مع الفستان وكأنه امتداد طبيعي منه ، فحظي بمكافأة من ام جريس التي بدت مسرورة  بهذا  اللمعان الذهبي ، دون أن تعلم بالطبع  قصة  وجود الخرق اصلا وسر زرع هذا الدبوس الذهبي.

ونتيجة لتحركاته وفعالياته الوطنية والنقابية والمجتمعية المتواصلة بهمة ونشاط، نال يعقوب فراح نصيبه من ممارسات الاحتلال في التضييق عليه واعتقاله ايام الجبهة الوطنية في السبعينات ومحاولات ثنيه في كثير من محطات مسيرته  الطويلة والحافلة بالإنجازات عن طريقه الكفاحي والنضالي بعدد من الإجراءات التعسفية ضده، إلا أنه بقي حاملا سلم الكفاح وتوعية شعبه بحقوقه الوطنية وضرورة مقاومة الاحتلال بالأساليب المتاحة حتى النصر والتحرير والحرية والاستقلال الكامل ، وما زال على العهد والوعد .

يعقوب فراح .. حالة خاصة من النشاط والتفاعل الحي  الواعي والإيجابي مع مجتمعه، بقي وفيا لقناعاته ودوره في خدمة المقدسيين والحركة النقابية ضمن ما هو متاح من الإمكانيات وفي ظل ظروف الاحتلال الضاغطة .

باقة ورد نقدمها لهذا الإنسان والرمز المقدسي الغيور على المصلحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى