محددات النهضة العلمية والتكنولوجية

حازم القواسمي | القدس – فلسطين

لا يمكن الحديث هذه الأيام عن النهضة إن لم يكن أساسها العلم والتكنولوجيا، فما هو ليس علمي ليس حقيقي وما لا تدخل التكنولوجيا فيه فهو قديم وغير مواكب للعصر. عندما نذكر النهضة نتذكر النهوض، وهذا ما علينا أن نفعله: أن ننهض من الحضيض الذي وصلنا إليه في عالمنا العربي، ليس فقط في العلم والتكنولوجيا بل في الصناعة والزراعة والثقافة والصحة والتربية والتعليم وغيرها. العرب اليوم أبعد ما يكونوا عن الحداثة والتطور والتقدم والعلم ولذلك هناك حاجة واضحة لنهضة شاملة في كافة المجالات على أساس علمي لأن أي محاولة لنهضة غير علمية لن تتقدم أنملة ولن تصمد أمام تحديات العصر السياسية والاقتصادية التي لا ترحم.
ويجب أن يكون الخطاب خطاباً علمياً، وليس خطاباً غوغائيا سفسطائيا مبنياً على الشعارات الفارغة من المضمون وعلى الخزعبلات والشعوذات. فالخطاب العلمي واضح وضوح الشمس ولا يجب خلطه بأي خطاب غير علمي. لذلك، من المهم أن يرتكز الخطاب العلمي على النهج العلمي الذي تتبعه الدولة. علماً أنّ المتطلب الأول للدولة التي تتطلع إلى نهضة علمية حديثة هو أن تكون دولة ديمقراطية علمانية. للأسف تجد اليوم في عالمنا العربي كثير من خلط الأمور بعضها ببعض دون إدراك لخطورة هذا الخلط. فالدولة ليست كالبشر ليس لها دين محدد، ويجب عدم خلط السياسة والعلم بالدين والفلسفة وفن الكلام وعلم المنطق. فالسيارة ليس لها دين ولا الطيارة تستطيع أن تديرها بالفلسفة وعلم الكلام ولا الباخرة تستطيع أن تقودها بالشعوذات والبخور. إن العلم الذي اكتشف تلك الآلات الحديثة وحده فقط يستطيع أن يخبرنا كيف نديرها ونقودها ونقوم بصيانتها. حيث يدخل العلم في كافة مناحي حياتنا، في الصناعة والزراعة والتجارة والطب والتعليم، في أكلنا وكيفية الحصول على مزروعا تنا وفي شربنا وضخ المياه الصالحة للشرب وفي حركتنا وبناء بيوتنا ولبسنا وسياحتنا وسفرنا وكل حركتنا. والنهج العلمي الذي تتبعه الدولة يحتم عليها أن تتعلم من تجاربها وتجارب غيرها. فالتجارب بما فيها من نجاحات وأخطاء هي الوسائل العملية التي توفر للدولة إمكانية التقدم بدون الوقوع في ذات الأخطاء وتكرارها. والدول العربية اليوم مطالبة بتطبيق النهج العلمي في العمران والبنى التحتية وفي التعليم والطب والسياحة والاقتصاد والقطاعات المالية والخدماتية وكل المجالات، حتى تنهض نهضة حقيقية قابلة للاستدامة.
إنّ أي نهضة علمية في القرن الواحد والعشرين لا يمكن تحقيقها بدون تكنولوجيا المعلومات والحوسبة والانترنت. هذا ما يحصل في أوروبا وأمريكا وأستراليا ودول آسيا المتقدمة. علم وتكنولوجيا أدت إلى تقدم ونهضة، أما الشعارات الوطنية والقومية والخطابات الرنانة فهي للشعوب الجاهلة والأنظمة الدكتاتورية. وإذا نظرنا إلى الدول المتخلفة عن ركب الحضارة والتقدم العلمي نجدها ما زالت تقوم بالزراعة التقليدية، أما الدول المتقدمة فأدخلت التكنولوجيا في الزراعة وأصبحت تنتج أضعاف الكميات والأنواع في زمن خيالي. ودخلت التكنولوجيا والإنترنت في التجارة وبذلك أضافت عنصر التجارة الإلكترونية الذي أصبح يغير شكل التجارة العالمية اليوم. كما أن الدول المتخلفة ا زالت تعتمد في تجارتها على السلع التقليدية بينما انتقلت الدول المتقدمة إلى تجارة الخدمات المتقدمة وقامت بتطوير أدواتها المالية وخدماتها المالية الإلكترونية. وشتان الفرق بين الطب التقليدي والطب المتقدم الذي يعتمد على أحدث الاكتشافات والاختراعات والأدوات التكنولوجية في التشريح والتصوير الطبقي للدماغ والعمليات الجراحية عن بعد واستبدال أعضاء الإنسان التي لا تعمل مثل الكلى والرئتين والقلب بكل نجاح بأعضاء صناعية. إن الدولة الحديثة التي تقوم على العلم وتستخدم التكنولوجيا وتقنية المعلومات لها قدرة على جمع المعلومات عن مواطنيها واستخدامها بكل سهولة ويسر من أجل تقديم الخدمات لهم بكل شفافية وفعالية تامة. فالمواطن في الدولة الديمقراطية الحديثة له ملفه الطبي الإلكتروني وملفه الاجتماعي وملفه الضريبي والمالي والأمني مما يتيح لتلك الدولة تقديم أفضل الخدمات لمواطنيها ومتابعة شؤونهم وتقديم الأمن والاستقرار وجميع الخدمات الاقتصادية والاجتماعية لكافة الشرائح حسب مستحقيها. فالدولة الديمقراطية المتقدمة تكنولوجيا تتابع وتدعم الفئات الاجتماعية التي تحتاج لرعايتها ودعمها ماليا وخدماتيا مثل الأطفال وكبار السن ومتابعة صحتهم وكذلك الاهتمام الدائم بذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الأمراض المزمنة وغيرهم من الطبقات الاجتماعية. هذا ما نريده من التكنولوجيا للدول، أن تكون في صالح خدمة المواطن ورعايته، وليس من أجل التجسس عليه وملاحقته وترهيبه. لا يوجد سقف للتقدم العلمي أو استخدام التكنولوجيا لصالح الشعوب وكافة الكائنات الحية وخدمتها. واليوم بدأ يكثر الحديث عن استخدام التكنولوجيا في التعرف أكثر على أسباب التغييرات المناخية وخطورتها على الصحة العالمية من أجل تفادي أية مصائب محتملة من التلوث واهمال النواحي البيئية. وهناك دول وصلت إلى مراحل متقدمة جدا من الناحية العلمية، حيث لم تكتفي بالبحث العلمي على الأرض بل تخوض سباقا نحو مزيد من الاكتشافات والاختراعات في مجال الفلك وعلوم الفضاء، لعلنا يوما نضيف للبشرية والحياة على الأرض عنصراً إيجابيا إضافيا بما قد نجده في هذا الفضاء الواسع من الكون الذي يضم المليارات من الكواكب والشموس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى