شاهدْ ملاحظات حول ندوة الدكتور صلاح فضل في جلسة حدائق الفكر الافتراضية

د. ضياء خضير | ناقد وأديب عراقي أكاديمي

 

نود أن نضع حول هذه الجلسة الافتراضية بسلطنة عمان مع الناقد الدكتور صلاح فضل التي أدارها الشاعران عبد الرزاق الربيعي ووسام العاني وحضرها الدكتور سعد التميمي بتاريخ 8/4/202 عددًا من الملاحظات التي لا ينبغي أن نكتفي فيها بالثناء على إمكانات هذا الناقد المصري والعربي الكبير ولوذعيته، وتجربته النقدية العريضة، وقدرته الفذة على الإجابة على الأسئلة والملاحظات التي طرحها المشاركون في الحلقة، فقد كانت بالفعل ندوة غنية ومتنوعة غطت كثيرا من المواضيع الخاصة بعمل الرجل وانشغالاته النقدية والفكرية في جوانبها النظرية والتطبيقية. ولكن هناك ملاحظات أخرى صرح بها الدكتور فضل، أو أعاد التأكيد عليها في ذلك اللقاء الذي استغرق حوالي ساعتين إلا ربعا نود هنا الإشارة السريعة إلى بعضها.

– وأول هذه الملاحظات التي يجب تسجيلها على هذا اللقاء هو الأخطاء النحوية االغريبة التي كانت تأتي بين حين وآخر على لسان الدكتور صلاح الذي يشغل حاليا موقع الرئيس لأهم وأعرق مجمع لغوي عربي هو (المجمع العلمي المصري). وهو أمر لا يليق بناقد كبير له خمسة واربعون كتابا نقديًا ، ولا برئيس لمجمع الخالدين الذي يزيد عمره الآن على مائتي عام حتى إذا كان الأمر متعلقا بحديث شفوي وليس بنص مكتوب.

– الملاحظة الثانية هي إجابته التي أوجزها في (خمسة نقاط – كذا !) عن سؤال الشاعر وسام العاني عن مشاركته المتكررة في لجنة التحكيم الخاصة ببرنامج (شاعر المليون) والجدل الذي يدور حول بعض آراء لجنة التحكيم، ونفيه لوجود أي تناقض بين ما يقوله في كتبه النقدية الكثيرة، وبين تعليقاته النقدية القصيرة المبتسرة على الكثير من الشعراء المشاركين في هذا البرنامج، واعتباره ما يحدث في هذه الفعالية الشعرية التي لا تخلو من ابتذال وعمومية (قبلة الحياة) للشعر العربي، وأن دعوته للسماح لشعراء قصيدة النثر بالمشاركة في البرنامج لم تجد أذنا صاغية، رغم تعارض ذلك مع رأيه الخاص غير المرحب بقصيدة النثر هذه بسبب افتقادها للإيقاع، وأن جمهور البرنامج الذي يبلغ الملايين هو صاحب القول النقدي الفصل في تقرير من يفوز ومن لا يفوز من الشعراء بلقب (شاعر المليون) رغم تعصب هذا الجمهور لشعراء بلاده كما يحدث في مباريات كرة القدم، حتى إذا كان الرأي النقدي الدقيق يتراجع أمام رأي هذا الجمهور.
وحكاية (الخمسين) شاعرا التي يقول الدكتور صلاح إن المهرجان في دوراته التسع قد نجح في إضافتهم وتكريسهم للشعر والشعرية العربية الحديثة، ليست مع الأسف غيرَ ادعاء لا دليل ثابتا عليه. والدكتور صلاح يعلم أنه لم يخصص دراسة نقدية حقيقية واحدة لواحد من هؤلاء الشعراء الذين يتحدث عنهم حديثا إعلاميا عاما، ولا أقول دعائيا لا قيمة له. فولادة الشعراء الكبار لا تأتي هكذا في البرامج الاحتفالية التي تدعي التثقيف وممارسة النقد، ولا حظ لها في الواقع من أية ثقافة أو نقد حقيقي. واختيار الشعراء الكبار لا يشبه اختيار المغنيين أو لاعبي كرة القدم في البرامج المخصصة لهذا النوع الفعاليات.
لقد نقل الدكتور صلاح فضل في مطلع حديثه عن (قلعة علي الشرقاوي الشعرية) في كتابه (شفرات النص الشعري) ما قاله كولن ولسن مرة من أن “تشجيع الكتاب أشبه بوضع السماد في حديقة تمتلئ بالأعشاب الضارة”. ومحاولة الدكتور صلاح وضع مثل هذا السماد على أعشاب شعرية نامية أو صغيرة قد لا ينفع في جعلها أشجارا كبيرة. وهو يقول في تقديمه لهذا الشاعر البحريني أن عيب القراءة النقدية لمثل هذا الشاعر إنها تحتاج لمعاودة التأمل والإنضاج، ومراجعة الأسئلة، وهو أمر يتناقض، كما هو واضح، مع الأحكام السريعة التي تقال للعشرات والمئات من الشعراء الشباب الذين يمرون على الدكتور صلاح وزملائه من أعضاء لجنة التحكيم في هذا البرنامج، ويكونون مضطرين لمنحها بركاتهم النقدية أو سحبها من دون أن تتاح لهم فرصة كافية للتامل والإنضاج.

– وقد لا يكون لكل ذلك بعد هذا علاقة بما قاله الدكتور الناقد للويس عوض لدى لقائهما في أسبانيا عن عدم اهتمامه كناقد بالمال الذي يقدم ثمنًا لرأي نقدي أو مشاركة في حكم باعتبار ذلك من شروط النقد والناقد الأساسية، فهو لا ينطبق تمامًا على مشاركاته الطويلة، مدفوعة الثمن بسخاء لا نظير له، في هذه اللعبة الشعرية الخارجة عن المعايير النقدية والشعرية، كما قرأناها وتعلمناها من كتب الدكتور صلاح النقدية ذات الطابع المجدد والطليعي في جانب مهم منها.

– الملاحظة الرابعة تدور حول رأي الدكتور صلاح فضل بالشاعرين أدونيس وعبد الرزاق عبد الواحد، فهو يستثني أدونيس من بين الشعراء العرب الكبار المجددين للشعر العربي ، لأن هذا الأخير قد شجع شباب الشعراء العرب على كتاب قصيدة النثر عن طريق كتابته لهذه القصيدة، إلى جانب كتابته الشعرية الأخرى. أما عبد الرزاق عبد الواحد فقد جرت تنحيته من ساحة الإبداع الشعري من قبل الدكتور صلاح بسبب ارتباطه بصدام حسين وتكريسه جلّ قصائده لمديحه. وقد لا نختلف مع الدكتور صلاح حول رأيه بشخص عبد الرزاق عبد الواحد وشعره في هذا الجانب. ولكن السؤال الذي قد يطرحه بعض العارفين بمهرجان المربد من الذين اعتادوا أن يروا الدكتور صلاح عضوًا دائما تقريبًا في الوفد المصري الكبير المشارك في المربد.. هذا السؤال هو لماذا لم يقلْ الدكتور صلاح شيئًا عن هذا المهرجان المكرس لمديح القائد في حينها ، ولماذا كان هذا الناقد الكبير حريصًا على حضور هذا المهرجان في دورات عديدة منه مع أنه كان مضطرا للجلوس في زاوية من قاعة المهرجان غيرَ راض عن كل ما كان يجري فيه، ولماذا لم يصنع صنيعَ الأدباء والشعراء العرب الكثيرين الذين قاطعوا المهرجان ولم يلبوا الدعوة المتكررة لحضوره.
– الملاحظة الخامسة والأخيرة، هي رأي الدكتور صلاح المتكرر في تراجع الشعراء والشعر العربي عن كتابة المسرحية الشعرية والشعر الدرامي الذي بدأه صلاح عبد الصبور، دون أن يذكر كتابة عبد الرزاق عبد الواحد لواحدة من أفضل هذه المسرحيات الشعرية العربية وهي مسرحية (الحر الرياحي)، واقتصاره على ذكر قصائد عبد الرزاق عبد الواحد في مديح الدكتاتور ، وعدم قدرته على تطوير نفسه لملاءمة التغيير في العصر والبدء بمرحلة شعرية جديدة بعد خروجه من العراق بعد الاحتلال.
ولعل في رأي الدكتور المخالف لرأي طه حسين الذي كان يرى ضعفا وعدم اتساق في مسرحيات شوقي الشعرية نوعًا من الميل غير المبرر لشوقي باعتباره مصريا، فيما كان الموقف من مجمل ما حصل في العراق بعد غزو الكويت وموقف مصر والرئيس مبارك الذي أرسل الجيش المصري ليقاتل الجيش العراقي إلى جانب الجيوش الأمريكية والفرنسية والبريطانية في الكويت ذا طبيعة سياسية معروفة لا تشمل الدكتور صلاح وحده، بل شعراء وكتابا وصحفيين مصريين آخرين صفقوا للدكتاتور وكتبوا عنه وقبضوا منه، ثم قلبوا له وللعراق ظهر المجن، وهو أمر يبعث على الألم في النفس؛ والدكتور صلاح يعرفهم بالتأكيد، وليس هناك من داع للحديث عن ذلك هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى