الكآبة تنهش صاحبها بصمت

رحاب يوسف | قاصة وتربوية وكاتبة فلسطينية

الحزن عبارة عن مشاعر تدخل الى ذواتنا دون اسئذان، وربما موروثٌ يورث من الآباء، وقد يبلغ مداه فيؤدي إلى الاكتئاب كما أصاب الشاعر “ابن الملوح”مجنون ليلى، كان يعاني من الاكتئاب الذهاني المطعّم بأمراض عقلية، كان يسير حافياً إلى بلاد الشام، فيعودون به إلى نجد من شدة تولّعه بليلى.
الحزن الشديد يؤدي إلى الكآبة التي تقرع بابك دون استئذان، تجدها بين جنيبك بسبب فقد عزيزٍ أو فشل دراسة، أو تعطل مشروع حياتك، الكآبة تنهش صاحبها بصمت حتى يتآكل داخليا، فينظر يمنة ويسرة ولا يجد شيئاً من الحياة سوى لوحة سوداء قاتمة أمامه.
الحزن يحتاج إلى إدارة المشاعر، فهو منهج يسعى به الإنسان للوصول إلى درجة الراحة بينه وبين نفسه، و أكثر من يستمرون في الحزن يفكرون في كميته، ولا يفكرون بما يمتلكونه من قوة نفسية.
كيف تدير أحزانك؟ تعرف على نفسك، ما هي مَلَكاتك؟ ما هي صفاتك الشخصية، وظروفك وتصورك للحياة؟ اعرف إيجابياتك وسلبياتك؛ لتعرف المداخل التي دخل الحزن منها إليك، ربما تكون صاحب شخصية قَلِقة تفرح بالقلق، فدلفَ الحزن إلى داخلك من بوابة شخصيتك القلقة، اعرف خريطة نفسك، ضعفها، قوتها، خفف العوامل المسيئة والمؤثرة عليك، فإن كنت تعيش فقراً مدقعا، ولا تحمل شهادة جامعية خفف من وقعها على نفسك، انتقل إلى مرحلة التكيف مع ظروفك، البعض لا ينتقل إلى التكيف والعيش والتعايش، حتى لو انتهى حزنُه تجده يستدعيه بتفكيره، فيعيش انسجاما وتناغما معه.
البعض يضحك على نفسه ويداعبها، يجعل الفقر وعدم الدراسة نكتة، عنده اكتفاءٌ وافٍ، ليس من ماله ودراسته، بل من نفس رضيّة تعايشت مع الواقع، وافترضت أنه الأمثل حتى تحقق السعادة.
والتوازن مهم بين العقل والعاطفة، فلا تغلب العاطفة على العقل في لحظات الحزن، من هنا كان لزاماً على الإنسان الحزين مراقبة كفتي ميزان العقل والعاطفة، وألا يجعل العاطفة تغلب، فالقيادة والريادة لحزنك بيدك أيها الانسان.
جاء في علم النفس، أحيانا إشكالية إدارة الحزن سببه الشعور بالدونية، أو النظرة السلبية للذات والماضي عند ذلك الإنسان، وهي نظرة تنبع من الشخصية غير الواثقة، فكان لزاما الذهاب إلى منبت ذلك الجذر، وتجفيف منبع الكآبة، أحيانا نجد المكتئب يقبل الكآبة؛ لأنه يراها تتناسب ونفسه الحقيرة، فالبديل الأروع هو تقبل الذات والنفس.
نقول لأي واعظٍ لا يجوز تذكير القَلِق والمُكتئب بالنار، بل ذكّره بالجنة حتى ترفع حزنه، ذكّره بذاته وأنها تستحق الفرح والسعادة.
على الإنسان مزاحمة الحزن بالحب والإيجابيات؛ فيشعر بصعود وسمو في ذاته، ويتلذذ بأقدار الله؛ لأن أصحاب الذوق الرفيع يرضون بأقدارالله، ويتلقونها بمحبة.
من الضروري إدارة أحزاننا، فلا نفتعل الحزن الذي له مخاسر دينية ودنيوية، وإن أرهقنا الحزن ودمرنا نقول له: قف أيها الحزن مكانك! ونمضي في طريقنا دونه.
وقد تحتج على خالقك، لماذا يارب فعلت معي كذا؟ وهنا تتناقض الأدبيات، فتضل الطريق، بل وتخطئ في هذه المهارة.
الاكتئاب تجربة ملفتة تعطينا فرصة لإعادة بناء أنفسنا، وفرصة تقدمها لنا الحياة لنتوقف ونتأمل دواخلنا، أذكر انني شعرت بالكآبة بعد فراق أبي لدرجة أنني تركت مكان عملي بجانب المقبرة، ولم أعد أقوى على النظر إلى قبره، كادت أن تتبعثر ذاتي لولا إيماني بالله وقضائه، كنت أحارب حزني حتى أصل إلى درجة الصبر الجميل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى