حكايا من القرايا.. “المأساة الكبيرة”

عمر عبد الرحمن – جنين – فلسطين

نظر الناس حولهم… ضاعت بلادهم، وضاع بحرهم، وضاعت أشغالهم… وضاع الناس؛ قسم استشهد، وآخرون أصبحوا لاجئين مشردين، تستقبلهم المنافي البعيدة، والصحاري العقيمة… في خيم… في تجمعات مأساوية، وأحوال مقزّزة…
قالت أم أحمد: كان الفقر يعيش بيننا، صحيح أننا كنا نعيش في عقدنا (بيتنا)، لكن لم يكن لنا حول ولا قوة… عشرة قروش (يومية) أبو أحمد، راحت… وبقينا ع الحديدة، والله يا بنيّي الناس لحقت… لحقت فقر وجوع وعري لا يعلم بها إلا الله… بعد سقوط البلاد، بقينا والسماء والطارق، الناس باعت الأراظي للمرابين، ولشيوخ القبايل، كانت أحسن أرظ تروح بمدّين ذرة، أو أكم صاع قمح… الناس بدها توكل… الناس صارت تستقرظ من المرابين بالفايظ، وترهن بأراظيها… الناس باعت (تشراتشيرها) باعت طناجرها النحاس، ومعالقها، باعت بوابيرها… باعت… باعت… والله الصوف إللي بالفراش باعته الناس… وما ظل حيلتهم إشي…
بعد ما باع أبو أحمد خلّة السمكة، وقطاين اللوف… ومدت الحالة… قلت له: خلاص، وقّف عندك… والله لو بنموت من الجوع ما بعنا ذرة تراب… – طيب، شو (بدتش) نساوي؟ سألني – قلت: نروح على بلد نشوفنا فيه رزقة، نشتغل، نديّر حالنا… بعدين بنرجع… وشرّقنا يا بنيي، ظللينا نمشي نمشي… تا وصلنا ميّة الشريعة، وبالموت تا عرفنا نقطع المخّاظات، وشرّقنا… وشرّقنا… تا وصلنا عمان… بديش أطول عليك بالسيرة… لقينا مغارة ونمنا فيها، واصحاب المغارة اللي منا وفوق والله ما قصّروا معنا… ظيّفونا، وجابونا خبز، وميْ،و(تشاس) وصحن سمن، وصرّة عجوة، وشوية (ستشر) سكر وشاي… وصرنا نغلي المي ع الحطب، ونشرب شاي مع الخبز، ونغمس بالسمن… وصاحب المغارة بقا يشتغل ع (التشسارات) الكسارات، من مطلعها لمغيبها، وهو يحمل حجارة (ويدز) في (التشسارة) الكسارة، أو (إشيل) يرفع رمل من تحت مزرابها… أخذ أبو أحمد معو… والله حنّن صاحب الشغل، واشتغل أبو أحمد بثمن قروش… ايامها بقيت حامل بابني خير… وعرّفتني الجارة منين نملي ميه على روسنا بالتنكة، ياحرام شو بقيت أحزن على بو احمد، وهو (هلتشان) هلكان من التعب وكلّو غبره من ساسه لراسه، يغسل بنص تنكة مي، يا قشيلي (يا حسرتي)، تشون الغبرة تصير طين، وتحوّر ع جلده… (لاتشن تحرتش) لكن تحرك فينا الدم، صرنا نشتري ونوكل ما قسم الله، واشترينا لوازم سكن المغارة، فرشة ولحاف، وبابور، وصحون، ودبسية… وطنجرة… وأجا خير… خير اللهم اجعله خير… شهر… شهرين ثلاثة… سنة… واحنا على هالحال… بعدين دلّونا ورحنا أخذنا حوّيطيّة أرظ… والله قدرنا وبنينا عليها تخشيبية… خشّة بحجار وطين، وسقفها خشب وزينكو، فيها مطبخ صغير وحمام أجلكم الله… وقرب المطبخ زير… وأثثناها ما يلزم… وأنا، الله فتح علي، وخدمت في بيوت المسعدات، في الطهي، والغسل والكنس، ورعاية الأطفال… وشعرة ع شعرة بتصير لحية… ما أن ولد ابني رقم سبعة عودة، حتى جمعنا، ثمن ما بعنا من أرظ… غرّبت، وحالا ذهبت لشاري أرضي… وبميت طلوع روح تا اقدرت أرد خلة السمكة وقطاين اللوف… طبعا ودفعت الفايظ الطاق اثنين… وبكت أم أحمد… بكت… فاضت دموعها، وتقطعت حروف الكلمات في حلقها، ناولتها كاساً من الماء… علّها تكمل الحديث… لكنها وقفت بنا… قبلت يدها التي ابتلت من دمعي، وقبلت رأسها، ومضيت أحكي مع حالي الحال…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى