الصوم في الأدبيات العُمانية

شيخة الفجرية | كاتبة عمانية

دخلت عُمان في الإسلام بشكلٍ طوعي، بدأ إسلامها بمبادرات شخصية كان رائد هذه المبادرات العمانية الصحابي مازن بن غضوبة، وابن هشام يشير إلى اسم ضِماد بن ثعلبة الأزدي، ويضيفه إلى الصحابي أبي ذر الغفاري والصحابي الطفيل بن عمرو الدوسي فيعدهم أوائل الصحابة الذين أسلموا من خارج مكة، مما يعني أن الصحابي ضِماد بن ثعلبة الأزدي هو أول من أسلم من أهل عُمان، ثم تبعه كعب بن برشه الطاحي، والطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي((الدوس) إنه أبو أزد عمان تخلفوا بها عمن شخص من قومهم إلى عُمان)، الذي كان من خيرة صحابة رسول الله ومن الأشراف في الجاهلية والإسلام، وكان أمير قومه وقتل شهيداً في معركة اليمامة، ثم ذهب العُمانيين على شكل وفود شعبية خرجت تستطلع عن الدين الجديد، فأسلم من ذهب من أهل عُمان، وأرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسوله ابن العاص لمن بقي فيها.
وعن أهل عُمان قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما جاء في صحيح مسلم؛” بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، رَجُلًا إلى حَيٍّ مِن أَحْيَاءِ العَرَبِ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فأخْبَرَهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لو أنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ، ما سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ “.
وعليه فإن أدبيات الصوم في عُمان تعود إلى جذور عميقة تأصلت بتلبية أهل عُمان لدعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ودخولهم في رحاب الدعوة المحمدية، وقيامهم بواجب الدفاع عن الدين الجديد ونشره في أصقاع العالم. والصوم أو الصيام لغة _كما قال ابن منظور في لسان العرب_: الإمساك عن الشيء، والترك له، وقيل للصائم: صائم؛ لإمساكه عن المطعم والمشرب، والمنكح، وقيل للصامت: صائم لإمساكه عن الكلام، وقيل للفرس: صائم؛ لإمساكه عن العلف مع قيامه… قال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام، أو كلام، أو سير فهو صائم، يقال: صام النهار إذ وقف سير الشمس، قال الله تعالى _ في سورة مريم، الآية: 26_ إخباراً عن مريم: ]إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا[أي: صمتاً؛ لأنه إمساك عن الكلام، ويفسره قوله تعالى_ في سورة مريم، الآية: 26 _: ] فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [؛ وقال الشاعر النابغة الذبياني:

خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ

تَحْتَ العَجَاجِ وأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

يعني بالخيل الصائمة_ كما جاء في: لسان العرب، لابن منظور، 12/351، والمصباح المنير، 1/352، والمغني لابن قدامة، 4/323. _: القائمة بلا اعتلاف، وقيل: “الممسكة عن الصهيل”. والصيام: “مصدر صام يصوم صوماً وصياماً”.
والصوم: هو: “التعبد لله تعالى بالإمساك بنية: عن الأكل، والشرب، وسائر المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخص مخصوص، بشروط مخصوصة “. وسمي الصيام صبراً؛ لحديث: “صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر”، وقد قيل: إنه عُني بقوله: ] وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [_سورة البقرة، الآية: 45_؛ “لأن الصائم يُصبِّر نفسه عن شهواتها”.
ويأتي الصيام للحماية، فالصيام “جُنّةٌ” من الشهوات؛ لحديث عبد الله بن مسعود t ، قال: لقد قال لنا رسول الله r:”يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ”.
وللصيام فضائل وخصائص عظيمة حصرت في القرآن الكريم؛ ومنها الآتي:
– يجلب الغفران؛ لقول الله تعالى في سورة الأحزاب، الآية 35: ] إِنَّ الـْمُسْلِمِينَ وَالـْمُسْلِمَاتِ وَالـْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْـخَاشِعِينَ وَالْـخَاشِعَاتِ وَالْـمُتَصَدِّقِينَ وَالْـمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْـحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْـحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ الله لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [.
– خير للنفس؛ لقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 184: ] وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون [.
– تقوى النفس؛ لقول الله تعالى في سورة البقرة الآية 183:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون [.
– الصوم جُنة؛  لحديث جابر t  أن رسول الله r قال:((قال ربنا U: الصيامُ جنةٌ يستجنُّ بها العبدُ من النار، وهو لي وأنا أجزي به)).
– حِصْنٌ من النار؛ لحديث أبي هريرة t ، عن النبي r قال: ((الصيام جُنَّةٌ وحِصْنٌ حَصِينٌ من النار )).
– جُنّةٌ من الشهوات؛ لحديث عبد الله بن مسعود t ، قال: لقد قال لنا رسول الله r:((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وِجاءٌ)).
– وصية النبي r  إذ لا مثل له، و لا عدل؛ لحديث أبي أمامة t ، قال: قلت: يا رسول الله: مُرني بأمر ينفعني الله به، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا مِثْلَ له))، وفي لفظ: أن أبا أمامة سأل رسول الله r: أي العمل أفضل؟ قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عدل له))، وفي رواية أنه t قال: قلت: يا رسول الله مُرْني بعملٍ، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عِدْل له))، قلت: يا رسول الله مرني بعملٍ، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا عدل له))، وفي رواية ابن حبان في صحيحه: قال أبو أمامة: أنشأ رسول الله r جيشاً، فأتيته فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي بالشهادة، قال: ((اللهم سلِّمهم وغنِّمهم))، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال: ثم أتيته فقلت: يا رسول الله إني أتيتك تترى ثلاث مرات أسألك أن تدعوَ لي بالشهادة، فقلت: ((اللهم سلِّمهم وغنِّمهم))، فسلمنا وغنمنا، يا رسول الله، فمرني بعَمَلٍ أدخلُ به الجنة، فقال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا مِثْلَ لهُ))، فكان أبو أمامة لا يُرَى في بيته الدُّخانُ نهاراً، إلا إذا نزل بهم ضيفٌ، فإذا رأوا الدخان نهاراً، عرفوا أنه قد اعتراهم ضيفٌ)).
–  يدخل الجنة من باب الريان؛ لحديث سهل بن سعد t قال: قال رسول الله r: ((إن في الجنة باباً يُقالُ له: الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؛ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرُهم، فإذا دخل آخرهم أُغلق فلم يدخل منه أحد)) ، وفي رواية:((في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمَّى الريان لا يدخله إلا الصائمون)).
وعن أبي هريرة t: أن رسول الله r قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله نُوديَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعيَ من باب الصلاة، و من كان من أهل الجهاد دُعيَ من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعيَ من باب الريَّان، و من كان من أهل الصدقة دُعيَ من باب الصدقة))، فقال أبو بكر t: بأبي أنت وأمِّي يا رسول الله؛ ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعَى أحدٌ من تلك الأبواب كلِّها؟ قال: ((نعم،  وأرجو أن تكون منهم)).
– خيرة الخصال التي تُدْخِلُ الجنةَ؛ لحديث أبي هريرة t ، قال: قال رسول الله r:
((من أصبح اليوم منكم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا. قال:
((فمن اتَّبع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا. قال:
((فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟))، قال أبو بكر: أنا. قال:
((فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟))، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله r: ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)).
وفي الصوم تعويد على إظهار الفصاحة العاطفية بإظهار مشاعر الفرح: قال النبي e: “للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه”.
وتبدأ مظاهر الصيام في عُمان بالاستعداد لرؤية أو تحري هلال شهر رمضان المبارك، بتشكيل لجنة برئاسة مفتي عام   السلطنة، وعضوية مجموعة من الولاة والقضاة، ومندوبين في نقاط الرؤية التي تنصب فيها آلات الرصد العلمية العملاقة، بالإضافة إلى المختصين في العلوم الفلكية، يتم حسم رؤية الهلال من عدمه بتوجيه الدعوة للمتابعين عبر وسائل الإعلام العمانية المختلفة للمشاركة في التحري والرصد، ومن يتمكن من رؤية الهلال تقبل شهادته وفق محددات معينة.
وفي الداخل العماني تقام العديد من مظاهر التعبير الاجتماعي عن التآزر والتعاضد والتراحم والمحبة بتبادل الوجبات بين الأهل والجيران، وتوزيع زكاة الفطر وصدقات الصيام، وبإحياء الموروث في مناسبات متعددة خلال الشهر الفضيل؛ منها: الووذون، والقرنقشوة، والهبطات (الأسواق) التي تقام في الهواء الطلق.
وقد أقام النادي الثقافي محاضرة عن “الصوم في الأدبيات العمانية”، للدكتور ناصر السابعي أستاذ في كلية العلوم الشرعية، والذي تناول أدبيات الصوم من الجانب الديني، إذ بدأ بالقول: “شهر رمضا شهر القرآن والتقوى والعفّة والعافية والتعاون على البر والتقوى”، و”تتعدد الأعمال الصالحة في الصوم” ثم تناول الصوم في أدبيات كتب الفقه، والتي لا تختلف عن بقية الكتب، فـ” مواضيع الصوم في مؤلفات العمانيين هي ذات المسائل التي تناولتها مؤلفات غير العمانيين، ومسائل الصوم في كتب العمانيين… ابتداءً من كتاب الدعائم لابن النظر وانتهاء بكتب المعاصرين” إذ اشتغلت المكتبة العمانية بالبحث والكتابة في أركان الإيمان والإسلام منذ بداية دخول أهل  عُمان في السنة السادسة للهجرة إلى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى