استبقاءً لأثر رمضان واستعدادا لاستقبال خير الأيام

رضا راشد | الأزهر الشريف

استقيموا ولن تحصوا

ما فتئئت أذهان العلماء مشغولة بهذه المشكلة التى تتكرر كل عام ؛ من هذا الكسل الذي يضرب بأطنابه على نفوس الأمة بعد رمضان؛ إذ ما يكاد ينتهى رمضان إلا ويعود كل إلى سربه ، وسَرعان ما يزول أثر رمضان من النفوس وكأنها ما صامت ولا قامت ولا تلت القرآن ..إلخ.

وبات السؤالان الملحان يتكرران على كل لسان :
ما السبب ؟
وماالعلاج؟
هناك سبب لهذه المشكلة ؛ وهو أننا (لأننا لم نستعد لرمضان قبل حلوله ) لم نصل مع العبادة بعد إلى درجة الألفة التى تجعلنا نتمسك بها بعد رمضان والتى لا تجعل لغيابنا عن العبادةبضعة أيام مؤثرا على علاقتنا بها ، وقلت إن هذا السبب مبني على كلمة لأحد السلف (لا ينتهي منها عجبي ) يقول فيها: ( الخير ألوف عزوف ).

وسبب ثان مهم جدا ؛
وهو أنه بانتهاء شهر رمضان تزول عن العبد الحوافز التى كانت تحفزه للطاعة من تفتيح أبواب الجنة، وتغليق أبواب النار ، وتصفيد الشياطين وما يترتب على ذلك كله من الإقبال على الطاعة والبعد عن المعصية ) فها هى ذي الشياطين قد أطلقت من قيودها فانطلقت كالكلاب المسعورة أو كالوحوش الضارية تريد أن تعوض ما فاتها في رمضان .

هذا الهجوم الشرس من الشياطين يتطلب دفاعا محكما وقويا من النفوس لصده وإبطال مفعوله ، وهو (مع الأسف ) غالبا مالا يكون؛ إذ تكون النفوس قد خرجت لتوها من الاعتكاف-كما ينبغي أن يكون- بعد عشرة أيام من عناء السهر والقيام ، فهي بحاجة إلى قسط من الراحة ، كما هي بحاجة إلى الأنس بالأهل والفرحة بالعيد يوم الجائزة ،وهذه الفرحة، وتلك الراحة حقها الذي لا يصادره عليها أحد .

هذا هو أصل المشكلة :
هجوم شديد من إبليس وجنده يقابله دفاع ضعيف من النفوس لحاجتها إلى الراحة وإلى الفرحة ،فيستغل إبليس هذا ويدخل على النفوس من أي باب، حتى ولو من باب المباحات، فيظل يبتعد بها عن العبادة يوما ، فثانيا ، فثالثا ،فرابعا، (والخير ـ كما علمنا ـ ألوف عزوف ) حتى تنقطع الصلة بين النفوس وبين الطاعة ، فيزول أثر رمضان عنها ، فتعود كما كانت أول مرة ، ولا سيما أن العلاقة بين النفوس وبين الطاعة لم تتوثق أصلا بما لا يوثر فيها ابتعاد بضعة أيام .

وصلنا إلى ما نحذره ، وعادتِ النفوسُ بعد رمضان إلى ما كانت عليه قبل رمضان، وزال أثر رمضان من النفوس .

فما العمل ؟

لا نستطيع أن نصادر على النفوس حقها في الراحة والفرحة ، فلا عاقل يقول بهذا؛ كما لا نستطيع أن نجعلها تستسلم لهجوم الشياطين الضاري بعد رمضان ، فكان لا بد من سبيل للجمع بين الأمرين فكيف ذلك؟

والجواب :
بالاستقامة على أصل الأعمال التى كنا نتعبد لله بها في رمضان حتى وإن قصرنا قليلا في وصفها ،فقد كنا في رمضان نقوم الليل كله إلا قليلا ، ونصوم شهرا كاملا ، ونتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، وندعو ، ونتصدق ..إلخ

فلنحافظ على أصل هذه العبادات بعد رمضان :
فنصوم ستة أيام من شوال؛ استبقاء لأثر الصيام في نفوسنا، ولا نحرم أنفسنا من قراءة شيء من كتاب الله، ولوجزءا واحدا.
ونقوم الليل ثمانى ركعات، ولو بآية في كل ركعة
وووووووووو وهكذا في كل عبادة كنا نفعلها في رمضان؛ نؤديها بأصلها، وإن قصرنا في وصفها ، فنجمع بذلك بين الحسنيين :راحة النفوس وفرحتها من ناحية ،واستقامتها على الطاعة من ناحية أخرى ،فإن حدث ذلك فأنا كفيل لك (إن شاء الله) بأنها ما هي إلا بضعة أيام تأخذ فيها النفوس قسطا من الراحة حتى يعود إليها شوقها للاستزادة من الطاعات مرة أخرى؛ إذ لم تنفصم علاقتها بها.

وبذلك تكون قد استبقت أثر رمضان فيها من جهة ، واستعدت خير استعداد لأفضل الأيام؛ أيام العشر الأوائل من ذي الحجة ، من جهة أخرى ،فالاستعداد لها يجب أن يبدأ من الآن والا انصرمت سريعا من بين أيدينا ؛ فنندم على فواتها ولات ساعة مندم .

رزقنا الله وإياكم التقوى والعمل الصالح وحسن الاستقامة على ما يحب ويرضى ؛إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى