قراءة في رواية ” بير الشوم ” للكاتب فيصل حوراني

جميل السلحوت | فلسطين

صدرت رواية بير الشوم لفيصل حوراني عام 2001عن وزارة الثقافة الفسطينية ضمن برنامج سلسلة القراءة للجميع وتقع الرواية في296 صفحة من الحجم المتوسط،


المضمون:-

الرواية عبارة عن عمل تسجيلي لمرحلة عاشها الكاتب طفلا وسمع روايتها شابا ممن عاشوا نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، وتدور أحداث الرواية في ثلاث قرى فلسطينية سقطت في أيدي العصابات الصهيونية عند الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في 15 أيا ر 1948 .

والشهادات التي وردت في هذه الرواية تظهر الوضع الاجتماعي الفلسطيني في تلك الحقبة، كما تبين مدى تحالف دولة الانتداب مع التنظيمات اليهودية المسلحة مثل “الهاجانا” و”شتيرن” وغيرهما من اجل اقامة دولة إسرائيل، كما تظهر الرواية والشهادات أن المقاومة الفلسطينية كانت فردية وغير منظمة، وتعتمد أساسا على “الفزعات” العائلية والعشائرية، ومع أن الشعب الفلسطيني لم يبخل في الدفاع عن وطنه، وقدم الآف الشهداء، إلا أن المؤامرة التي حيكت ضده كانت أكبر من إمكانياته بكثير، وأن الجيوش العربية السبعة التي دخلت فلسطين بعد انهاء الانتداب في 15 أيار 1948 لم تكن مجهزة ومدربة، وكانت قيادتها العليا تحت إمرة ضابط انجليزي كان يشغل منصب رئيس أركان الجيش الأردني آنذاك وهو “جلوب باشا” وللعلم فقط فان عدد الجيوش العربية التي دخلت فلسطين في العام 1948 كان عددها اثني عشر ألف جندي، في حين كان عدد “الهاجانا” وحدها ثمانية عشر ألف مقاتل مجهزين بأحدث الأسلحة في حينه، وكانت لهم تجارب قتالية في الحرب العالمية الثانية.

ومع أن ما ورد في رواية “بيرالشوم” هو وجهة نظر عاشها الكاتب الذي كان في التاسعة من عمره، ووجهة نظر أيضا لعدد من الأشخاص الذين قابلهم لاحقا واستمع منهم وهم أبناء قرى ثلاث، إلا إنها تبقى وثيقة تؤرخ لجانب من الرواية الشفوية لجانب من المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني في العام 1948، والتي خسر جراءها ما يقارب أربعة أخماس وطنه، وتم تشريد ثلثي هذا الشعب في أصقاع الأرض.

وقد لفت انتباهي في الرواية أربع شخصيات هي:-

1- المختار وليد أبو حامد:- شخصية إقطاعية، تمثل القيادات الشعبية التقليدية التي توارثت “الوجاهة” عن أبائها نتيجة لثرائها النسبي، لذا فان “مضافته” كانت مفتوحة، يطعم فيها الطعام لمن يرتادونها من أبناء القرية ومن خارجها، وللمسؤولين الذين كانون يترددون على القرية، وهو شخصية وصولية انتهازية أكثر ما يشغله هو أن يبقى الرقم واحد المعترف به من القرية ومن خارجها، يتقرب للمسؤولين ويداهنهم ويكرمهم، لذا فقد تذيل للأنجليز، كما تذيل من قبلهم للأتراك مقابل الحفاظ على مصالحه ودون أن يكون عميلا لهم، وحاول التذيل والمهادنة للمستوطنين اليهود في المستوطنة المجاورة لكنه لم يسلم من شرورهم، كانت القرية تهابه وأن تمرد عليه بعض الشباب، وقد أقرت القيادة بوجاهته، لذا فأن القائد أبا جهاد ساعد في تعيينه مسؤولا عن اللجنة المقاومة عندما جاء مندوب القيادة من القدس، ومع ذلك فانه لم يشارك في الهجوم على المعسكر الانجليزي، عندما أخلته قوات الانتداب البريطاني وسلمته لليهود، وكانت نهايته كالمهووس يدور على غير هدى.

2- بارعة:- فتاة فلسطينية، حسناء ذكية، ماتت أمها وهي طفلة في الثالثة عشرة من عمرها، تعرضت لمحاولة اغتصاب من والدها الذي قتله أحد أشقائها وزعم أن أحد الأشخاص “المجهولين” قد قتله وهو يدافع عن عرض ابنته، فجاءت إلى القرية تنهشها الألسن، وتحيك حولها القصص الظالمة دون معرفة الحقيقة، وهي تكظم غيظها دون أن تنبس ببنت شفه إلا لأحد الأشخاص الذي أحبها وعرض عليها الزواج، حيث باحت له بالحقيقة في آخر يوم من حياتها عندما شاركت المجاهدين في الهجوم على معسكر الجيش الأنجليزي الذي احتله اليهود، واستشهدت في هدا الهجوم، وهي نموذج لفتيات فلسطينيات عشن هذه التجربة، ولا تزال أخريات يعشنها، ويتحملن النتائج، ويبقى الجناة من ذوي القربى الذين يمارسون سفاح القربى أحرار طلقاء.

3- الشيخ حسن:- أمام الجامع الذي شارك في صد الهجوم عن القرية المجاورة، وكان أول المصابين، وبقي يعاني الآم الجراح التي أصيب بها نتيجة لعدم وجود طبيب، ولعدم وجود الأدوية، خصوصا المضادات الحيوية إلى أن لقي حتفه مع مجموعة الرجال على أيدي العصابات اليهودية التي احتلت القرية، وكان في حياته يمثل النقاء والطهر في القرية، ويحظى بتأييد الشباب، ويشكل منافسا حقيقيا للمختار.

4- جواد:- شاب متهور مغامر، نزق، دائم التهجم على المختار الذي استولى على أرض والده في مرحلة سابقة، كان متحمسا دائما، حمل بندقيته وحاول الهجوم على الانجليز واليهود أكثر من مرة، لكنه لم يفعلها، وحاول إحراق باص المستوطنة وتدميره عن طريق زرع لغم، لكنه لم يفعلها، وحاول قتل المختار، ومع أنه اقتاده وحيدا تحت السلاح الا أنه لم ينفذ عملية القتل أيضا، وعندما هاجم اليهود القرية كان عند “بير الشوم” وحيدا مع سلاحه فلم يطلق رصاصة واحدة، فالقوا القبض عليه، وقتلوه في النهاية عندما حاول الهرب.

نهــايـــة الـــروايـــة:-

في الرواية نهايتان، الأولى:- الطفل حسان ابن الشيخ حسن، الذي هرب عندما جمع اليهود الرجال وشرعوا في قتلهم، وحماه جسد جواد الذي اخترقه الرصاص، وأشار إليه قبل أن يلفظ أنفاسه أن يهرب إلى الوادي، وكأن الكاتب يوصي بأن الأجيال القادمة جيل حسان هم من سيواصلون المعركة.

والنهاية الثانية:- هي نهاية المختار الذي كان يحلم بزفاف ابنته كما اخبر ناطور البيارة، وقال وهو يهلوس “انه ذاهب إلى المحكمة حتى يشكو اليها مسلك اولئك الذين أفسدوا العرس ومنعوه من حضوره”.

وكأن الكاتب يوحي بأن الزعامات المحلية أو العربية ذهبت إلى الجامعة العربية أو إلى الأمم المتحدة لأستعادة الحقوق المسلوبة.

اللغـــــة:-

استعمل الكاتب في سرد حكايات النكبة الشفوية اللغة المحلية الفلسطينية ويبدو أنه استعملها كما سمعها من قائليها، وهو هنا يضعنا أمام إشكالية الفصحى والعامية، مع أن اللهجات العامية قد تكون غير مفهومة لأبناء الأقليم الواحد، فما بالك إذا قرأها أبناء أقاليم أخرى؟؟

وهذا يقودنا إلى انه لا بديل عن الفصحى لأنها اللغة المفهومة من الجميع، مع أن الفصحى المستعملة في هذا الكتاب مليئة بالأخطاء النحوية والأملائية والمطبعية، وبما أن الطبعة الثانية التي بين أيدينا هي من منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية، فان السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم تكلف الوزارة احد موظفيها بمراجعة الكتاب وتصحيح الأخطاء الواردة فيه؟ ولماذا لم تنتبه إلى أن الطبعة الأولى لهذا الكتاب جاءت على الغلاف الأخير بأنها صدرت في العام 1980 وعلى الصفحة الرابعة من نفس الكتاب جاء أنها صدرت عن دار الكلمة في بيروت عام 1979؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى