قصص قصيرة جدا

زياد شليوط | شفا عمرو – الجليل – فلسطين

 

أنا هنا

ثبّتَ البطاقةَ على نافذة السيّارة، بعدما سجّلَ عليها رقم هاتفه الجوّال وأرفقه بعبارة ” أنا هنا”.

لم تمضِ دقائق وإذ بالهاتف يرنّ. لم يسمع أيّ سلام أو تحيّة. جاءه صوت امرأةٍ صارخةٍ بلغتها العبريّة الوقحة: أنتَ لستَ هنا، انزل واقذف سيارتك بعيدا.

نزلَ درجاتِ العمارةِ بسرعة. ألحّت على ذاكرته كلماتُ والده، التي قالها له يوما: جاءوا إلى بيوتنا وحقولنا، طردونا وقالوا لنا أنتم لستم من هنا!!

وصلَ آخرَ درجةٍ. قبلَ أن يدفعَ البابَ الخارجيّ، وقفَ هناك.

المسخ

دخلَ حيوانٌ غريبٌ إلى الحظيرة. لم تعرفهُ الحيواناتُ الأليفة. فوجئت به وارتعدت، اهتاجت وماجت، بعدما على النظام اعتادت.

وقفَ الغولُ يقهقهُ مغروراً، فتحَ فاهُ الأدفَق وجعَرَ: اشمَعوا وعوا.. إنّي آتيكم باشم المشؤوليّة.. المشؤول الأول أوكلني أن…

الأدفَق: الأعوج

جعَرَ: مثل تغوّطَ للإنسان

الوغد

جلسَ ينتفُ شعرَهُ، شعرةً شعرةً، حتّى خلا رأسُهُ المفلطح من الشعر، ما عدا بضع شعرات في مؤخرة الرأس، لم تنجح يده الطويلة من الوصول إليها. نظرَ إلى المرآةِ وجَلِعَت شفتاهُ رضى عن الخطوةِ الأولى نحو الزعامة.

أمضى شهوراً أخرى يربّي كرشه، إلى أن تكوّر وأثجَلَ.

رأى نفسه في أحلام اليقظة ذا شأن. طمأنَ نفسه أنه يستحق الزعامة، فشروطها ومقوماتها باتت متوفرة في شخصه. جعلَ لشخصه حاشيةٌ من سقَط الغلمان. باتَ هوسُ العظَمةِ يأكلُ دماغه وكأنه السوس. تفاجأ أفراد حاشيته من صراخه القادم من داخل غرفته: أنا أعظمُ العظماء.. أنا أفضلُ الفضلاء!

عندما انطلق صراخه ثانيةً، انطلقَ أفرادُ حاشيته بالزعيق في جوقةٍ بدون مايسترو، فلم يعد يسمع النّاسُ صراخَهُ..

الوَغد: الدنيء من الرجال

جَلِعَت: لا تنضم شفتاه على أسنانه

أثجَلَ: كبُرَ بطنهُ

بسيطة

سألتني: ما هي الخطوة التالية التي تفكر بها؟

أجبت: أفكر بتشكيل جمعية جديدة على أن أكون رئيسها ومديرها وأمين سرها وأمين صندوقها ومجند أموالها وأعضاءها.

قهقهت وردت: بسيطة!

المهرج

رفض أوامر الحارس الأمني عند باب المؤسسة بفتح حقيبته. أصر على ذلك ولما حاول الحارس اعتراض طريقه، دفعه بقوة بمساعدة حقيبته، ودخل المؤسسة دون تفتيش.

سرّ المخرج من وراء النافذة الزجاجية، بوقاحة الشاب وقرر إسناد دور البطولة له. أتقن دوره وازداد مهارة من فصل إلى فصل. تقمّص وجوها عديدة، استبدل سيناريوهات مختلفة، تلاعب بالحوار مرارا ليتماشى مع تغير الظروف.

وفي أوج نجاحه على المسرح، وبعدما حاز على تصفيق معظم المشاهدين، قرر طرد الممثلين الآخرين والاستحواذ بجميع الأدوار لوحده.

خدعة

رأيتهم وليتني ما رأيتهم.. رأيتهم يخدعون أنفسهم.. يكذبون ويصدقون كذبتهم، يمثلون ويعجبون باتقان أدوارهم.. يوزعون الشهادات كيفما يشاؤون وحسبما يرتأون. أمر واحد يبتعدون عنه وهو المرآة.. أسفت عليهم وواصلت طريقي.

تابع سيده

انتظر في الزاوية حتى يحضر سيده وولي نعمته.. لما حضر السيد تبعه مثل ظله يفرش له الطريق بنذالته ليدوس عليها في كل خطوة.. وجلس جانبا في زاوية مثل كلب الحراسة حتى أنهى سيده زيارته، وعاد ليسير خلفه لينظف ما خلفه من قاذورات وبقايا.

اللّخَن

جلس على الكرسي، لف رجلا على رجل، بسط يديه على ذراعي الكرسي، حرّك رأسه ذات اليمين وذات الشمال، ثبّت ربطة عنقه، فتح فاهُ وانتظر. مرّت دقيقةٌ عليه وكأنها دهر، جاءته الإشارة فتكلّم:

– جئتُ أو جيءَ بي إلى هذه المؤسسة، يا حضرات، كي أنقذها من حالة الفساد والفوضى والجمود، لا يمكن أن يبقى على حاله إلاّ هو في عليائه.

توقف لحظة في انتظار أن يسمع التصفيق أو كلمات الثناء والاعجاب، تظاهر أنه يريد أن يشرب من كأس الماء أمامه، وتابع:

  • ما هو دوري، ما هي وظيفتي؟ أن أسير على خطى سلفي؟ ماذا سيقول عنّي النّاس؟ بل ماذا سيفعل بي وليّ نعمتي، أنعم من ولي أولياء وخاتم الزعماء؟

قام من مجلسه، خطا خطوات واسعة. انتظر حتى خلا المكان من سكانه. لجأ إلى زاوية وأقعى فيها ينتظر فجر يوم جديد.

لَخَن الرجل: تكلّم بقبيح

الزّمان

توقّف قلبه عن الخفقان.. وهو يعبث بقصاصات الصحف القديمة والأوراق والدفاتر القديمة.. وأسرّ في سرّه: هنا كان يجب أن يتوقّف الزّمان!

عيد

في عيد زواجنا العشرين.. أحبّك كلّ يوم وكلّ عام أكثر.. انتظريني على العشاء.. أرسل رسالته هذه لزوجته عبر الفيسبوك.. وهو على سرير عشيقته.

زعل

بعد عامين من الزعل مع محبوبته السيدة (!)، نشر لها على الفيسبوك أغنية فيروز “زعلي طوّل أنا وياك”.. فجاءته زوجته معاتبة:

  • زعلنا بدأ بالأمس فقط!

نظرة

رماها بنظرة ثاقبة.. ولّى ظهره لها وانطلق.

لعبة

قال لها: اذهبي وانصرفي، كيف لك أن تلعبي لعبتك، وأنا الذي صمّمتها لك؟!

عارية

أرسلت له صورتها عارية عبر الآيفون، ابتسم ابتسامة حزينة فيها تفاؤل، وكتب لها:

  • هل ستأتين أخيرا، هل صفحت عن خطأي؟

أجابته بثقة وحزم:

  • لا .. لكن أردت أن أقول لك، أن هذه هي المرّة الأخيرة التي ترى فيها هذا الجسد!

لم يصدق فرك عينيه جيدا وعاد وكتب لها:

  • لكن أنت لي.. وهذا الجسد لي!

أجابته بحزم أكبر:

  • أجل.. لكن بعد اليوم لن يكون لك! لأنك لم تعرف كيف تحافظ عليه!

داء

استدعتني لمكتبها وشرعت تشكو من سكرتيرتها التي تنسى كثيرا ولا تتذكر ما يقال لها أو تقوله.

رن هاتفها الجوال، ردت على المكالمة بسرعة. وعادت متوجهة لي:

  • ماذا كنا نقول؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى