المعتوه

مصطفى العارف | العراق

بدا يكلم نفسه ويسير بسرعة في الزقاق الضيق المودي إلى مراب السيارات الذي يبعد عدة أمتار عن بيته الكبير في منطقة الكرادة، يبتسم ,ويغضب في وجوه المارة، يصرخ بصوت عال, وكأنه يتحدث مع شخص ماثل أمامه انتبه إليه  أحمد صاحب سيارة أجرة, وتعجب في أمره, وهو يتأمل ما يحدث أمامه ولا يستطيع وصف المشهد ركن سيارته إلى جانب الطريق الذي يرتبط مباشرة بالزقاق, توقف عند محل بقالة الحاج محمد – : وسأله احمد  شاهدت رجلا طويلا يرتدي بدله أنيقة، وهو حليق الشارب, شخصيته مرموقة, تصدر منه أصوات عالية نهاية الزقاق, حاولت إنقاذه, تصورت هناك شخص يريد الاعتداء عليه وجدته وحيدا يقف أمام شجرة ويصرخ أنت السبب بادلني بنظرة  تدل على الخبث والغضب,أشار إلي بيده  أشارة فهمت منها التهديد والوعيد وطلب مني الرحيل من المكان وإلا يصب غضبه علي ويضربني بقطعة من الحديد كان يخفيها خلف ظهره, هل تعرفه؟!

-: أجابني الحاج نعيم: – انه سميع المجنون  تفاجئت-: هل هذا الرجل مجنون حقا أم يدعي الجنون؟-:  سميع من عائلة ثرية أثرت في الزمن الحالي يملك قصورا , وسيارات فاخرة , وعمارات في اغلب مناطق بغداد -: قاطعه حمد من أين له المال؟! وكان يعمل عاملا في محطة نقل الركاب, ويسكن في بيت من بيوت أمانة العاصمة قبل الاحتلال-:  قالها عماد بحزن عميق أي احتلال هذا الذي يرفع الداني, والواطي -: سميع  اختلس أموالا من الدولة عندما كان موظفا بسيطا  فصل من الوظيفة، وعمل حمالا عند عمه في سوق الشورجة، كان يتصدق عليه أصحاب المحلات, وبعد الاحتلال أصبح الملياردير سميع, وأطلق ضحكة قوية,-: قاطعه محسن عمل في تهريب الآثار, وغسيل الأمول, وصفقات العقود الوهمية, وتعيين أصحاب الشهادات المزورة ,وتهريب العملة. ونحن نتحدث عنه, ظهر موكب من السيارات الفاخرة المصفحة تحمل سيدة شابة, جميلة ترتدي النقاب, ومعها ابنها المعوق المنغولي سنان , أحاط بنا الحرس من كل جانب، وأغلقت الشوارع المحيطة

والمجاورة, راودني الفضول-: سالت أحد المارين لمن هذا الموكب الفخم , التفت إلى الجهة اليمنى, ثم نظر إلى الجهة اليسرى  من الشارع -: وهمس بهدوء:- هذا موكب السيدة سميرة  زوجة سميع.

وفي اليوم التالي شاهدت سمعيا يتحدث مع نفسهً يرفع صوته في السؤال, ويخفضه في الإجابة، اقتربت منه بحيث لم يشعر بوجودي أمامه.

-:  سال نفسه سميع  اليوم عندك دوام ومن الذي تعيينه في وزارتك الجديدة؟  

-: أجابه ضميره الميت اليوم  نعيين الذي يدفع  أكثر- :  ونجعله من الكفاءات

وأصحاب الشهادات العليا التي نحصل عليها من أصدقائنا المقربين في الخارج. 

بدا صراعه النفسي بين ضميره الحي الذي يدعوه لعمل الخير, وتحقيق العدالة، وبين ضميره الميت الذي يجعله صاحب القرار الحكيم والصائب ويجوز له الحرام, وأكل حقوق ملايين البشر، واليتامى, والمرضى, والأرامل، وأبناء الشهداء.

تجمهر حوله الناس, وهو لا يعلم , وبدا يصدر الاومر الإدارية كأنه وزير حقيقي وفجأة هرب سميع  مسرعا من الزقاق عندما شاهد مجموعة من الأطفال تركض خلفه وتنعته بالمجنون، وبدأت نوبات الضمير الحي تلاحقه في كل مكان في الليل والنهار , في الحلم، واليقظة، في البيت، والشارع أثناء وصوله إلى الطريق العام, دهسته سيارة مصفحة مسرعة من سيارات زوجته سميرة  التي تقلها إلى الصالون, وانتهت حياته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى