ضحية الإرهاب

مصطفى العارف | العراق

حي شعبي يسكنه الفقراء، تصهرهم أشعة الشمس القاسية، وتغرقهم أمطار الشتاء الباردة، وتهزهم رياح الخريف، وتبعثرهم عواصف الربيع، من رحم المعاناة ولدت رنا لأب لم تره، وأم صرعتها الحروب الطاحنة، تولت رعايتها جارتهم أم نشوان التي رضعتها مع ابنتها نشوان، عاشت في بيت واحد بني من الطين، تعمل أم نشوان في صناعة الطابوق مع زوجها، وأبناء المنطقة المنكوبة التي تتعاش على النفايات، وفضلات الأغنياء، وبيع قناني المياه الفارغة، عانت رنا من كل أنواع الحرمان فقدت، والديها وهي طفلة لا تدرك معنى الحياة، وحرمت من التعليم أصبحت أمية لا تقرأ ولا تكتب، ترتدي الملابس الرثة، والقديمة، والمستعملة التي تشتريها أم نشوان من البائعة المتجولين في أسواق المدينة، تميزت بطولها الفارع وجمالها الخارق، جلست أمام بركة الماء تستريح من عناء العمل الشاق، والمنهك للقوى، رأت وجهها كالقمر المنير في حركة المياه تحدثت مع أمواج المياه الجارية  تندب حظها العاثر، ما ذنبي، ولماذا خلقت أصلا؟ لا أريد الحياة اعمل منذ طفولتي كل يوم أحمل الطابوق، وأقطع الأشجار، واعمل الخبز، وأحمل الماء إلى بيتنا الطيني أهذه هي حياتي؟، أخلقت من أجل العناء، والشقاء؟  عادت تجر أذيال الخيبة، والقنوط، وروادها اليأس، فكرت بالهروب من واقعها المزري 

طلبت من إحسان سائق سيارة أجرة نقلها إلى بغداد بصورة سرية دون معرفة الأسباب  لعلها تجد عملا يليق بها، بعد أن فقدت كل شيء، ولا يمكنها العودة مرة أخرة إلى بيت أم نشوان التي ربتها وجعلتها خادمة عندها تقدم لها كل الخدمات مجانا.

بدأت صراعاتها النفسية في الحصول على عمل شريف يليق بها، كانت رحلتها شاقة في السير على قدميها للبحث عن عمل، هذا يطلب منها العمل مقابل بيعها للهوى، وآخر يحاول الاعتداء عليها، كانت ليلة تموزية حارقة فقدت كل الآمال في الحصول على عمل شريف في وقتنا الحالي، جلست بقرب امرأة كبيرة السن تجاوز عمرها السبعين عاما تغط بالسواد تبدو عليها مظاهر الحزن العميق، فهي صامتة لا تتكلم، رفعت رأسها شاهدت رنا وسوف يغمى عليها من الإرهاق والتعب لم تذق الطعام والشراب منذ الصباح الباكر وهي منهكة في البحث عن العمل, أجلستها على كرسيها وجلبت لها الماء وأخذت ترش عليها قطرات الماء وأعطتها قليل من الطعام المتبقي من أم نوال :- سألتها ما قصتك ابنتي العزيزة -: أخبرتها رنا بكل شيء. 

-: لا تقلقي من ألان أنت معي تسكين في البيت، وتساعدني بالعمل، أنا وحيدة مثلك رحل زوجي، وابنتي نوال في حادث سيارة منذ سنين طويلة.

شعرت رنا لأول مرة بالسعادة وهي تلتقي بهذه المرأة الكبيرة التي عطفت عليها منذ اللحظة الأولى، وبعد لحظات تتطايرات أشلاء رنا في الهواء، وتقطع جسد أم نوال، وتناثرت أجساد الأطفال، والنساء من جراء تفجير إرهابي استهدف السوق الشعبية للفقراء، والمعوزين، وأصحاب المهن الحرة الفقيرة، لشراء ملابس العيد، تحولت أفراحهم أحزانا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى