سيمياء العنونة في رواية ( حروب البيتلز )  لـ ” نعيم عبد مهلهل “

أ.د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

راح الكتاب – في العصر الحديث –والناشرون يتفننون في صياغة عتبات مطبوعاتهم الأولى من عنوانات واهداءات ومقدمات ,فضلا عن شكل الغلاف وكلمة الناشر ,بل حتى في الرسم التشكيلي الذي يوضع على غلاف الكتاب – وبالتحديد بعد نضج فكرة التداخل الأجناسي بين الفنون المختلفة ,ومنها بين التشكيل والأدب – وغيرها مما أطلقت عليه المقاربات السيميائية الحديثة (علم العنونة)[1].

وصيرت له نظرية خاصة به ورائدا يشار إليه بالبنان هو الناقد الهولندي (ليو هوك), وتتأتى أهمية هذه العناصر التي أطلق عليها جيرارجنيت تسمية (النص الموازي), أو عتبات النص [2],على وجه خاص العنوان – من كونها تشغل منطقة إستراتيجية في عملية التلقي, هي المنطقة الأولى بصريا ودلاليا , تلك المنطقة التي يحدث فيها التصادم الأول بين القارئ ,والعمل الأدبي,وفي ضوء ذلك امتلكت هذه العناصر وظيفة خطرة هي قيادة القارئ إلى جغرافية العمل الأدبي ومنحه مفاتيح استكشافه وإضاءة مجاهله,ولا سيما أن رولان بارت قد وسع مفهوم السيمياء , فلم يعد محددا-كما يرى دي سوسير- بالعلامة اللسانية ,بل بكل ما هو لفظي,أي محاولة تطبيق اللغة على الأنساق غير اللفظية كالأساطير, والأزياء,ولون الغلاف ,والرسم التشكيلي الذي يطرزه وغيرها[3],

فجعل السيمياء فرعا من اللسانيات وليس العكس , فقد صارت السيمياء,ذلك العلم الذي يهتم بالإشارة مهما كان نوعها,طقوسا , رموزا,عادات ,كلمات , ملابسا ,ديكوات , طعاما ,وكل ما من شأنه أن يحمل انطباعا رمزيا أو دلاليا [4],ومما لاشك فيه أن العنوان بوجه خاص يمثل قمة هذه العتبات ,بل هو أخطرها, إذ يكفي تخطية لمسك خيوط العمل أو النص الأساسية , فهو نص قصير يختزل نصا طويلا [5], وهو المفتاح الذي يفتح الأبواب التي تفضي إلى العالم الذي نريد اكتشافه [6],فهو بنية رحمية تتولد منها معظم دلالات العمل أو النص الأدبي[7],

وتكفي القارئ نظرة يسيرة عليه ليتعرف منها محتوى ذلك العمل أو النص [8],ويعد الركيزة الأساسية لمعرفة النص والدلالة عليه , ومثلما نسمي الأشخاص فان العنوان يعني الاسم للكتاب ,فالعنوان للكتاب كالاسم للشيء , به يعرف وبفضله يتداول , يشار به إليه ويدل به عليه [9],و بما يحمله من قصدية فاعلة لكشف الباطن بفعل أرادة ملزمة للبداية وإحراج المعنى ,لذا فانه يكون صلة قائمة بين مقاصد المرسل وتجلياتها الدلالية في العمل [10],إن علاقة العمل بالعنوان علاقة فاعلية تتكئ على منطق الضبط , تلك العلاقة أنما نكتشفها من الترابط بين المرسل بمراسلته (العمل + العنوان) فهو فاعل هذا, وفاعل ذاك [11]

ونحن نعد العنوان خطابا سيميائيا فكريا , يحمل مقاصد شتى, لان الاتجاه المرسوم للفاعلية المستحضرة يعتمد على قصدية المرسل, وهو خطاب يعرف من خلال العمل الذي يتوجه به إلى المتلقي, ذلك ممكن من خلال سياق الفعل الإبداعي, وقد تضيع على المتلقي آليات التعامل مع العمل إذا ما توهم فضاءات أخرى من العلامات لا يمكن أن تكون فاعلة,بل أن هناك ترابطا, وتزامنا جدليين بين العنوان, والنص في علاقة المحايثة, والعنوان مفتاح الشفرة ,والخطاب.

 وعنوان رواية (حروب البيتلز) يشتمل على علامات سيميائية متعددة تفضي إلى دلالات خارجية تكشف عنها بنيتها السطحية التي تحيل على البنيات العميقة التي تتمثل بالعالم الدلالي الذي يحيل عليه المبدع , نعيم عبد مهلهل, ويكشف النص عن فضائيين دلاليين مهمين أولهما يحيل على الفضاء الزماني, (الحروب), والآخر يحيل على الفضاء المكاني, (البيتلز), وبين الفضاء الأول, والثاني يتوسط اسم الروائي نعيم عبد مهلهل, ليربط بين العالمين ربطا مبهما, ومن هنا يبدأ الفضول يتسلل إلى المتلقي (حروب البيتلز) التي تركها الروائي نكرة قد فعلت فعلها في المتلقي, إذ أحالتها على كل جنس فضاء زماني متسع الآفاق, يحيل على أيام  الحقب التاريخية الجميلة, والسيئة, والحروب والدمار الشامل للبلد.

 إن (حروب البيتلز) عنوان يقع ضمن ما يعرف بالسهل الممتنع إذا ما قراناه قراءة سطحية عابرة تكتفي بالنظر إليه نظرة جانبية, على أن النظرة المحايثة العميقة ربما تكشف لنا عما دفنه فيه مبدعه الروائي المبدع نعيم عبد مهلهل  من أشارات, وعلامات دالة, يكشفها المتلقي من خلال قراءة الرواية قراءة نقدية معمقة, وانطلاقا

  من كل هذا قد يكون بالإمكان تتبع عمل العنوان في النص, والشروع في نمذجة تصنيفية  للعناوين وفقا لعلاقاتها بالشرح الروائي بالذات عن طريق الاختزال إلى الحد الأقصى, أن الرواية تعبر عن عنوانها تشبعه, وتفك رموزه, وتمحوه، وإما أنها تعيد إدماجه في جماع النص, وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان، محولة المعلومة, والعلامة إلى قيمة والخبر إلى إيحاء[12] .

  ومن هنا فالعنوان عبارة عن صيغة مطلقة للرواية, وكليتها الفنية والمجازية, إنه لايتم إلا بجمع الصور المشتتة, وتجميعها من جديد في بؤرة لموضوعات عامة تصف العمل الأدبي، وتسمه بالتواتر, والتكرار والتوارد, إذن، فهو الكلية الدلالية أو الصورة الأساسية, أو الصورة المتكاملة, التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ, والتفاعل مع جمالية النص الروائي, ومسافاته, فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة على المشابهة, أو المجاورة, أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا مع دلالات الفضاء النصي للغلاف وتنصهر الصورة العنوانية اللغوية في رواية (حروب البيتلز), ولا يعرف المتلقي ماهية الحروب إذ يضعه الروائي نعيم عبد مهلهل  أمام حيز معتم من الفضاء الزماني , ولهذه العتمة دورها الايجابي في عملية الاستقبال, إذ ستغري القارئ بالإسراع إلى قراءة الرواية, والتأكد من هذه الحروب, والكشف عن ماهيتها, أما البيتلزفهي تحيل على منظومة مرجعية كاملة في ذاكرة  السارد /المتلقي, أنها تختزن كما هائلا من الإشارات, والمرجعيات التي يحيل عليها اسمها, فبغداد المنصور ,بغداد السلام, بغداد العصر الذهبي العباسي, بغداد الاحتلال المغولي, بغداد الاحتلال العثماني .

    إن (حروب البيتلز) المعرفة أصبحت نكرة لدى المتلقي لتعدد الأوجه التي تحيل عليها, لقد خلقت إبهاما إضافيا لدى المتلقي أفرز فضولا جديدا يدفعه إلى قراءة متن الرواية, وبسرعة.

المراجع:

[1] مستويات التحليل السيميائي في مقاربة النص السردي : 27 .

[2] مقاربة سيميائية لنص شعري : 26 .

[3] ينظر شعرية السرد في شعر احمد مطر : 91 .

[4] التناص سبيلا إلى دراسة النص الشعري :128 .

[5] في سيمياء الشعر القديم : 40 0

[6] قراءات في الشعر العربي الحديث والمعاصر : 73 .

[7] تقنيات السرد الروائي :126 0

[8] علم السيمياء والعنوان في النص الأدبي : 41 .

[9] العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي : 15 .

[10] التحليل السيميائي للخطاب :154 .

[11] م0ن :154 0

[12] مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص :43 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى