الشاعرة التونسية جميلة عبسي ومحمد المحسن (وجهًا لوجه)

تونس | خاص
 آن الأوان..كَي يرفَعَ اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها تحت مظلة الأعراف والتقاليد..في ظل مجتمع أبوي..”
يعد الأدب النسائي المغاربي ظاهرة أدبية حديثة بامتياز،وظهر هذا الأدب في أحضان الحداثة حيث شكلت قيمها أهم مبادئه قصد المضي قدما لإثبات وجود إبداع نسائي متميز قائم بذاته. ورغم الخلاف على فكرة وصف أدب معين بالذكورة والأنوثة،تبقى هذه الكتابة ذات بعد جمالي بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر،ويبرز-في هذا السياق-السؤال عن مكانة الكتابة النسائية المغاربية.
بينما يتساءل البعض عن كون كتابات المرأة تكرارا أو تقليدا لكتابة الرجل،ينظر آخرون إلى الكتابة النسائية المغاربية على أنها إضافة مميزة على مستوى الكتابة الأدبية،شكلا ومضمونا.
في هذا الإطار، وفي حوار مقتضب – أجريته مع الشاعرة التونسية المتميزة جميلة عبسي– – تقول هذه الأخيرة:”كشاعرة، أنا على يقين تام بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الأول، ونؤمن كقراء بأن الإنسانية غنية بما يُحكى ويقال ويلامس هموم الكثيرين،بغض النظر عن الجنس أو العرق أو حتى الدولة،فتحت سماء الإنسانية نستطيع أن نتضامن كبشر ونتكاتف معًا، لكن على الصعيد الآخر إن نظرنا في الوقائع التاريخية نجد أن المرأة كائنً مضطهد ومظلوم،إذ  لم تكن فكرة الكتابة حتى باسم امرأة أمر سهل أو هين،فنجد أن كاتبة مثل الإنجليزية ماري آن إيفانس كانت تنشر أعمالها تحت اسم مستعار هو جورج إليوت،كانت تكتب بإسم رجل حتى تقول ما تريده و  لكي لا ينقلب المجتمع عليها أو يقلل من قيمة ما تكتب لمجرد أنها امرأة. وبعد أن تمكنت المرأة من الظهور بإسمها وكيانها الحقيقي ككاتبة لم نجد الكثير من الرجال المهتمين بالدفاع عن قضاياها،باستثناء الحب والزواج.”
وتضيف- جميلة عبسي-: وجدت أن كتب النقد الخاصة بالأدب النسوي قليلا ما تتحدث عن الإبداعات النسائية،مما جعلني أحس بنوع من التهميش والإجحاف في حق المرأة بشكل عام. لكن يبقى إبداع المرأة التونسية حاضرا،سواء باللغة العربية أو الفرنسية،أو كل أشكال الإبداع المرتبطة بالموروث الشعبي التونسي بلهجاته المختلفة والمتنوعة”.
وتواصل ضيفتي- جميلة- حوارها معي فتقول :ظهر مصطلح الأدب النسوي في سبعينيات القرن التاسع عشر في فرنسا،وأصبح محل تداول داخل الساحة الثقافية،وإن كان المصطلح أو هذا النوع من الأدب الهدف منه وما زال هو كشف عورات -المجتمع الأبوي-ورفع اللثام عن قضايا المرأة المسكوت عنها تحت مظلة الأعراف والتقاليد،فإن قطاعًا من الأدباء والمثقفين يربطون بينه وبين ما تكتبه النساء بغض النظر عن الموضوعات المتناولة.”
ثم تضيف-ضيفتي-“ما اتُّفق عليه بعد جدل طويل في الغرب أن الأدب النسوي يستند إلى مبادئ الحركة النسوية،ويشير إلى أي عمل أدبي يركز على كفاح المرأة من أجل المساواة  ويأنسن المرأة بدلًا من صياغتها في صورة نمطية ونظرة تشيئية،والأهم ألا يكون قاصرًا في كتابته على النساء وإنما يشارك في إنتاجه الرجال ممن تجاوزوا النظرة التقليدية للمرأة في الأدب.
وترى الشاعرة التونسية المتألقة جميلة عبسي (وهذا الرأي يخصني)،أن الأقلام النسوية في دول المغرب العربي ولبنان تزداد وهجًا في الفترة الأخيرة،وتعلل ذلك بأن الكاتبات في هذه الدول يطورن من أنفسهن ونصوصهن بشكل جدي بالإضافة إلى توافر الرؤية لديهن وكذلك الوعي بالإشكاليات الملحة والخطاب الذي يجب طرحه،وهذه الشروط هي التي ينبغي توافرها لدى الكتاب الحقيقيين على حد تعبيرها.
وتشيد – جميلة عبسي – بالكاتبات اللاتي أفرزتهن الأحداث التي شهدتها سوريا منذ العام 2011، وكذلك الكاتبات في الجزائر والعراق.
وعن تونس تقول:هناك أقلام نسائية جيدة ولكن الإشكالية في وجود إنتاج أدبي يومي ضخم لا يوجد له مثيل في أي بلد عربي اَخر،وبالتالي يختلط الغث بالسمين ويصعب على القراء متابعة كل هذا الإنتاج الغزير،فلابد أن يؤخذ الأمر بشكل جدي وبقليل من القسوة لأن نساء العالم الثالث بشكل عام ونساء العالم العربي بشكل خاص لا يمتلكن رفاهية الخطأ.
وتشدد – جميلة – على رفضها لوصف كتابات النساء بــ«الذاتية» وتقول “هذا كلام مرسل تتوارثه الأجيال دون أي سند علمي أو منهجي، فلماذا لا توصف كتابات الرجال الإبداعية أيضًا بأنها ذاتية الطرح، ولماذا يعتقد البعض أن الرجل لديه القدرة على التخيل بينما ينكرون هذه القدرة على المرأة ؟
في السياق ذاته،ترفض -محدثتي جميلة- ما يشيعه البعض عن أن ما  تكتبه المرأة لا يزيد عن كونه مساحة للبوح والفضفضة،وتقول إن كثيرًا من النساء يعالجن موضوعات وقضايا كثيرة بعيدًا عن الفضفضة والسير الذاتية،مشددة على أن هذا الطرح يدخل في سياق تنميط المرأة.
أما أنا فأقول: تظل اتهامات النقاد للأدب النسوي ثابتة منذ التسعينيات،وأبرزها الاتهام بالجمود وذاتية الطرح،وفي هذا الصدد أشير إلى أنّ الأمر ببساطة يتطلب النظر إلى الأدب ككل،وحينها سيتضح أن الكتاب والكاتبات الذين يتمتعون بنفس الخبرة ينطلقون من نفس الأرضية،وإذا اتقفنا أن هناك محدودية سنجد أن الطرفين عالمهما محدود،وأرجع ذلك إلى محدودية كل من المجتمع وحرية الرأي والتعبير وقبول القراء وتفهم النقاد لما يُكتَب.
وهنا أختم : هو نوعٌ من الأدب يكون فيه المحتوى مُخصَّصًا لطرح قضية المرأة والدفاع عنها وعن حقوقها؛ فيُعرِّفه البعض على إنه الأدب المرتبط بحركة نصرة وحُرية المرأة وصراعها الطويل التاريخي لمساواتها بالرجل،بينما يعتبره البعض الآخر مُصطلح يهدف إلى فَصْل أدب المرأة عن أدب الرجل،وهذا ما يرفضه بعض النُقَّاد (وأزعم أني واحد منهم)؛لأن الأدب إنساني وليس من المُفترَض تجزئته وِفقًا لنوع الكاتب وجنسه،وقد ناصرَ هذا الرأي الكثير من الأديبات كغادة السِّمان وأحلام مُستغانمي،بينما يرى المدافعون عن المُصطلح أن المرأة يجب أن تتمتَّع بخصوصيتها في الكتابة ليظهر الفرق الواضح بين كتاباتها وكتابات الرجل؛وعليه تتحدد القيمة الإبداعية للنص الأنثوي مُنفردًا
وبشكلٍ عام..سواء نُظر إلى الأدب النسائي على أنه أقرب للتقليد منه للإبداع،فإنه يبنغي أن تُكلَّل التجارب الفنية القيِّمة التي حققتها المرأة العربية حتى الآن، كما ينبغي دعمها من خلال التعريف بها، ونشرها للقراءة على مختلف المستويات أيًّا كان مُسمَّاها الأدبي؛ وبذلك فإننا نساهم بشكل كبير على تشجيع هذا النوع من الأدب؛ ليخلق تأثيره الإيجابي على مستوى وعي المرأة نفسها ووعي المجتمع.
وأرجو..أن لا أكون قد جانبت الصواب..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى