هل تخلو مدينة من العملاء؟

خالد جمعة | فلسطين

أن تفهم ظاهرةً ما، لا يعني أنك موافق عليها، فنحن نفهم الموت مثلا، ولا نحبه…

ظاهرة العملاء في كل الاحتلالات التي مرت على الأمم عبر التاريخ، هي ظاهرة موجودة بقوة، يعتمد عليها أي احتلال في معرفة ما يدور داخل الكيانات التي يحتلها، هي ظاهرة غير طبيعية، وغير مبررة، لكنها موجودة، وستبقى موجودة إلى الأبد، فهناك دول لا تحتل دولا أخرى، ولكنها تزرع العملاء فيها، [روسيا وأمريكا على سبيل المثال].

الأصوات التي انتشرت في الأيام الأخيرة، والتي تحمل تخويناً مناطقياً، [الضفة ـ غزة ـ الناصرة… إلخ]، هي أصوات أقل ما يقال عنها أنها غير واعية، فلا يمكن إطلاق صفة على مدينة أو على منطقة، أو حي، أو حتى حارة، اعتمادا على سلوك فرد من أفرادها، أو حتى عدة أفراد.

مدينة رفح مثلاً، ومنذ الأزمنة القديمة، تأخذ الحد الأقصى في كل شيء، فيها أكبر عدد من شهداء الانتفاضة الأولى بالنسبة إلى بقية المدن الفلسطينية، وأكبر عدد معتقلين، وأكثر أيام منع تجول، وأكثر عدد من الإصابات بالرصاص… وأكبر عدد من الفنانين، ولكن في نفس الوقت، كان فيها أكبر عدد من الحشاشين، وأكبر عدد من العملاء، فكيف يمكن أن نصنف رفح، هل هي مدينة مثقفة؟ أم مدينة مناضلة؟ أم مدينة حشاشين؟ بالطبع لا ينطبق عليها أي من الصفات السابقة، لسبب واحد، أن المدن تحتوي على سكان مختلفين، وبالتالي لكل فرد منهم سلوكه الخاص، يحكمهم جميعا القانون إذا كان هناك قانون، وليس الصفات الفردية أو الأخلاقية، لأن الصفة الفردية خاصة بصاحبها، والقانون خاص بالمجتمع ككل.

الأسئلة التي ترددت عن خيانة الأسرى الفارين من سجن جلبوع، هي أسئلة مشروعة، ولكن التأني في الإجابة عنها مشروع أيضاً، أسئلة مثل: ماذا لو أن الأسرى استطاعوا الوصول إلى غزة؟ حسناً، يحيى عياش استطاع الوصول إلى غزة، وقامت إسرائيل باغتياله عبر عملائها، فهل هذا ذنب غزة أم ذنب العملاء؟.

وسؤال مثل: لماذا لم يتم حماية الأسرى في الضفة الغربية؟ وكأن الأسرى تُركوا مكشوفين في الشوارع، فمن المعروف والواضح أن حركتهم كانت سرية ولم يعرف الكثيرون إلى أين توجهوا، وبالطبع ستقوم إسرائيل بتشغيل عملائها بشكل مضاعف للحصول على أي معلومة ولو صغيرة حول أماكن الأسرى، وبالتالي قام هؤلاء بمساعدة الاحتلال في القبض على الأسيرين الأخيرين بالأخص، ولكن إلى ماذا تقودنا هذه المعلومات؟ أن هناك عملاء في جنين أو في الضفة الغربية؟ حسناً، هناك عملاء، وإذن؟

عندما كنت في الجزائر، قال لي أحد المثقفين الجزائريين أن هناك مليون ونصف مليون جزائري قتلوا في المعارك ضد فرنسا، فسألته عن النصف، لأننا نعرف أن الجزائر هي بلد المليون شهيد، وليس المليون ونصف المليون شهيد، فقال: نصف مليون كانوا عملاء لفرنسا.

هذا لا يعطي صفة لأي مدينة أو منطقة لأن توجه إليها الانتقادات لأن فيها عميلاً أو عملاء، لأن هذا ذنب العميل أو العملاء وليس ذنب المدينة، وحتى غزة التي لا يوجد فيها احتلال مباشر كالضفة الغربية، كيف تسقط الصواريخ عليها بهذه الدقة؟ أظن الإجابة واضحة.

إن نجاح الأعداء في اختراق صفوف الجماهير بالعملاء ليس دليلا على خيانة شعب أو مدينة بأكملها، فلطالما كان العملاء موجودين، ولهذا السبب بالذات كانت معظم حركات المقاومة في العالم عبر التاريخ سرية.

فلتتوقف الاتهامات المتبادلة لأن كل مدينة “فيها اللي مكفيها”، عدا عن أن هذه الاتهامات تضيّع ما أنجزه الأسرى الستة حين قاموا باختراق هذه  المنظومة الحديدية، وبدلا من البكاء على اللبن المسكوب، على الجميع أن يفكر فيما يجب فعله من أجلهم، ومن أجل القضايا التي سجنوا من أجلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى