قراءة في نص الفلسطينية وجدان خضور ( وما زلت حيا )

سي مختار حمري | المغرب

1–المقدمة :
في هذا النص دعوة للتساؤل حول مصير الوجود والفكر الفلسطيني والتفكير مجددا بأنه لم يكن هناك تفكير استطاع ضمان الحقوق وبالتالي العودة إلى اللامفكر فيه إلى رؤية/ تنظير/توقع إلى فكر عميق يطال كل المستويات تتجدد به وحدة ولحمة المجتمع كما تم بسطه من خلال دلالات النص موضوع الاضاءة.
تتمييز شاعرتنا بخصوصية لغوية يمكن اعتبارها موهبة تخترق الإحساس لدى المتلقي وفكره باسلوب ساحر..
شاعرة تتخد من الطفولة موطنها الأول والذي مثل أهم حقبة في حياتها قبل (التهجير القسري) بالرغم من المآسي التي تخللتها بسبب الاحتلال و المجتمع المحلي الشيء الذي جعلها كما الأرض تنطوي على ذاتها ، ليبرز في كل قصائدها والتي اتابعها من فترة هذا التضاد الغير القابل لأي نوع من المصالحة بين طفولة هادئة البال كما تتصور وواقع الحال الحياتي حاليا القاسي والمعادي في جانب منه للمحتل وفي شق آخر شركاؤها في المجتمع المحلي… شاعرة خلقت عالمها في نصوصها الشعرية يتجلى فيها هذا الفردوس الطفولي الذي افتقدته ذات يوم ، زينته وزخرفته بلغة فاتنة اخّاذة ..فرغم أنها إنسانة عصامية في كل شيء ومنها التعلم طالها مايثبط العزائم ويهمس لغة التحقير وكانها طفلة من عالم الغيب ..ولتجاوز المحن وقساوة الواقع شقت طريقها شعرا لنقل ماتحس به وما يعانيه وطنها بكامله في نكران للذات وبراءة الاطفال وفكر الكبار الرصين الحصيف
يقول الشاعر الألماني ” هولدرلين “في رسالة لأمه عن الإشتغال الذي يتعلق “بالشعرنة” وكانت كما يلي: (الشعر) الإشتغال الأكثر براءة من الكل ..كيف يكون الأكثر براءة؟ لأن هذه البراءة تكشف لنا عن نفسها عبر ذلك الحجاب المحتشم للعب. وبلا انقطاع ، تخترع هذه البراءة عالم صورها الخاصة بها، وتظل مشربة بها.. الإشتغال بفعل “الشعرنة” يظل في نهاية المطاف، غير ضار، ولكن يبقى في الوقت نفسه غير رصين ، لأن هذا يظل مجرد خطاب خالص أي “فعل قول”. وهذا لا علاقة له بتاتا، بالفعل الذي يعض على الواقع ليغيره.

إن الشعر اشبه ما يكون بالحلم ، إنه ليس واقعا، انه “لعبة اقوال”
الشعر هو الإهتمام الأكثر براءة من كل الإهتمامات الأخرى
السبب الذي من أجله، منحت اللغة للإنسان …هذه اللغة الأكثر خطورة: كان من اجل أن (يشهد على ماهو ..) انتهى الإقتباس ..نحن نعتبر الشعرعنوانا للرصانة و ألاشتغال الأكثر براءة من الكل..
من خلال متابعتي المتواضعة لشاعرتنا أكاد أجزم بأن شعرها فيه نوع من البراءة الطفولية المنصهرة في الطبيعة الفيحاء التي عاشتها وهي طفلة صغيرة وبقيت وفية لها ومن خلالها تستقي صورها الشعرية المترسبة في الإعماق لتعبر عن عالم الكبار الذي أصبحت فيه من الجدات تحكي تاريخ فلسطين الإجتماعي والطبيعي البيئي برؤية العين التاريخية المجردة….

2–العنوان: مازلت حيا…!!!
ما :حرف نفي
زلت: فعل ماض ناقص من أخوات كان (من أفعال الإستمرار) مبني على السكون لإتصاله بالتاء وهي ضمير متصل مبني على الضم في مكل رفع إسم ” مازال”
حيا: خبر” مازال” منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره
نقول أزِل المكان : ضاق / أزِل الرجل: صار في ضيق أو جذب/ أزِلت إيزالا السنة: اشتدت / أزِل الناس : قحطوا
حي: ج: أحياء اسم يدل على الثبوت من حيِي
حي من يحيا وهو ضد ميت مرتبط بعلم الأحياء (بيولوجيا) أي حياة
الحياة في اللغة : نمو ، بقاء ،
في علم الأحياء: الصفات الموجودة في الحيوانات والنباتات: النمو ، التوالد ، التغدية .. وكل ما يضمن البقاء على قيد الحياة والإستمرار للفرد و للنوع ..
ضروريات الحياة عند الحيوانات أو النباتات تقتصر على ما نسميه الموطن (أو المكانة) البيئية ( La niche ecologisue) وهي تعني االمأوى والوظيفة
وتخضع لعوامل لاإحيائية (الحرارة، التساقطات، التربة، الرطوبة…) وعوامل إحياءية (الغذاء، التوالد، التنافس، الإفتراس.) لايمكن لنوعين أو أكثر من الحيوانات على الخصوص أن يحتلوا نفس ”الموطن البيئي” في نفس المساحة الجغرافية فالنوع الأكثر تنافسية وتكيّفا وتنظيما سيسود ويقصي الأنواع الأخرى وهذا نلاحظه عند الإنسان أيضا خصوصا في الإحتلال الإستطاني ، مثلا: إذا اعتبرنا افتراضا عرب فلسطين نوعا والصهاينة نوعا آخر نسجل محاولة جادة لأقصاء العرب بعد أن تمت السيطرة المطلقة على المساحة الجغرافية لفلسطين وهذا فعل حيواني لا يسمح بالتعايش بين النوعين (العرقين) ويدخل في اطار الدراسات البيئية (الإيكولوجية) أو علم الساكنة وأوهام العرق الأصلح وصراع البقاء وهي حرب بيولوجية الغرض منها إبادة شعب ليسود المستوطن وسنعود للموضوع لاحقا ..
الحياة عند الإنسان لاتقتصر فقط على الجانب الحيواني بل تتعداه إلى شروط وضروريات أخرى نذكر منها : الثقافة /الدين والعقيدة/ الهوية/ المجتمع / اللغة /.المحبة المتبادلة… وكل هذا يخضع لمنافسة شديدة على المستوى الكوني ويمكن إختصاره في مفهوم”صراع البقاء”: البقاء للأقوى والأصلح الذي يجب أن تسود ثقافته ودينه وفلسفته واقتصادياته و …وهذا المفهوم قديم فالطبيعة البشرية تحكمها نزعتي الخير /الشر ويتجلى في الإقتتال والحروب الدائرة في مختلف بقاع العالم ويبدو أن الصراع من أجل البقاء والسيطرة على العالم دائم ولن ينتهي أبدا لأن الشر متجدر في النفس البشرية في أشكال متعددة،(حب السيطرة ، التملك، التوسع , الاستحواذ على الخيرات من مقومات وضروريات الحياة ، السلطة ، الإستعباد …..) ويحضرني هنا كتاب هتلر ”كفاحي ” الذي يحمل العديد من الأفكار تؤكد على الصراع والبقاء للأصلح وإبادة الأضعف في تغييب شامل للقيم الإنسانية وهو يعني بذلك حماية مصلحة الإثنية (العرقية) ”الآرية” معتمدا نظرية داروين(الداروينية الإجتماعية) وافكار بعض الفلاسفة التي تعتبر الإنسان مجرد حيوان عاقل وأن الإثنيات انواع بشرية منفصلة وبالتالي يطبق عليها ”صراع البقاء” كما هو عند الحيوانات ،نجم عن هذه النظرة أخطر وأكبر حرب عالمية خلفت عشرات ملايين الضحايا وخراب لا يوصف… الموضوع طويل وشائك نكتفي بهذا القدر ولن نتوغل أكثر في متاهة الأخلاق والفلسفة والدين والمقدس والمدنس…. وما تعنيه في الصراع من اجل البقاء والسيطرة .
مازلت حيا …!!! أي نوع من الحياة تعني الشاعرة هل الحياة الحيوانية (الجسدية) كما وضحناها سابقا ؟! أم هي حياة إنسان يطمح الى العزة والكرامة في ظروف إنسانية لاتقصي هويته، ثقافته، لغته، وطنه… ويتمتع بكل الضروريات من سكن، عمل ، تعليم ، صحة ، حب ،عدل، مساواة و….؟؟!!
قد تكون صرخة مكثومة الأنفاس ، تعجبية، بنقط حذف تدعو المتلقي أن يحيلها على ذاته ليملأ الفراغ ويؤكد التعجب الثلاثي…
قد تكون نجاة حديثة العهد من كارثة ../ أو التغلب على ظروف صعبة مهددة للحياة / أو صراع مرير محتدم ومستمر من أجل البقاء
كل هذه الاسئلة سنحملها معنا ونحن نتسلق تضاريس النص

3–النص:

شجر وغيم يابس وعوسج على الرصيف
عبثية الظل تجترح اللاشكل على رقيم تقاطع الطريق
مدون بالضباب ومؤطرا بالضد
هناك ما بيني وبيني مسافة يفصلها المنع
بلاد يقضمها الأسمنت الطائر وزفرات الوقت الصارخ
في انتفاضات تشظت على جدران الخذلان
وبلاد امتطاها الظلام واسند ظهره لشرق وغرب

الشجر قد يعبر عن الفكر المتجدر الأصيل والعوسج النبات الشوكي ذو الثمار التي تشبه العقيق قد يرمز الى خيرات البلاد والغيم اليابس الجاف الى الأفق الذي لاتظهر فيه أي ذرة أمل كل هذا خارج الطريق وضع على الرصيف
ما يؤطر الفكر من تاريخ وثقافة ونضال ومجهودات صارت عبثية لا شكل لها على كتاب أو في فلك الطريق
مكتوب بالضباب يجمع الغموض وسهولة المحو غير ثابت ويؤطره مايعاكسه ما يفرض عليه وجهة النظر المضادة
تعبر الشاعرة عن نوع من الإنفصام الذاتي فالمنع خلق نوعا من التشظي الذاتي فهي تعيش ذاتا ليست ذاتها أو كما تريدها أن تكون ..لحظة حلم هاربة ..ماعادت في الأفق انتظارات أمل يتوحد فيها الواقع بالأمل مما نجم عنه الإغتراب عن الذات
امام بلد تسكنه طيور أسمنية تقضم الأرض من الجو بسرعة الطيران في زمن يكثم صراخه يتحول الى مجرد زفرات في :
— انتفاضات تشظت بسب الخذلان فقدت معه وقعها المنتظر
–بلد صار مظلما وضع مصيره بين يدين متناقضتين الشرق من جهة والغرب من الجهة الأخرى دليل على التفرقة والتشردم …

زيتونتان تعانقتا على سور بيت قديم
ومابين محطة ومحطة رجل مسن يحمل في ذاكرته
بيارات البرتقال ومغامرات قطافه
مثل نور امتشق سهامه في طول الليل
هناك أيضا طائران
يطرزان حقلا ونهرا يتهادى باللوتس
واوزة فردت وجه جناحها وافترشته سريرا للأحلام
يمتعض عقيق الكواكب المخادع من صلادته

تنشط الذاكرة لتستعيد صورا من الطفولة حيث البيت العتيق وزيتونتان في عناق على السور صور راسخة منحوتة نحن أمام ”الذاكرة الموشومة” كما يسميها المفكر المغربي عبد الكبير الخطيبي التي لا يمكن أن تمحوها الأيام تقف الطفلة / الجدة في وجه العالم والنسيان تتذكر الأيام من عقود مضت وكأنها حدثت البارحة حية تنبض بالحياة طرية ”محكية القول” في عبور للمحطات الزمنية التي يظهر فيها الرجال المسنون رمز الوقار في صورة الأب/ الجد الذي يصون التاريخ ويحفظ المكان من الإندثار لتظهر معهم بساتين البرتقال ومغامرات القطاف ينبعثون كنور من وسط الظلام ويستمر الإسترجاع ليظهر طائران يحكيان وينسجان حقلا ونهرا وكأننا في وضعية حياكة عُقد ورسوم الزرابي في منظر طبيعي في تبختر نهر تتمايل ازهار اللوتس المائية على سطحه وضفافه و ينساب برشاقة في مجراه الطبيعي
واوزة تفرش جناحها سريرا للحلم ، أمام هذه الصور البريئة التي تعبر عن عالم طفولي تغمره البراءة في شكل أحلام يقظة شعرية مايدعو عقيق الكواكب إلى الإستياء من صلابته يود لو كان بريئا لينا ليساير المشهد الجميل الرئع …

وقفت على طرر العمر ليس لأعبر الطريق
ولا لتنبثق اشجاني في عزف المسافات والمنفى
بل لأنظر كيف انخدعنا بالوقواق
وتناثر المكان كندف الثلج على اعشاش الشتات
ومتى نما صوتي وأين وجدت فكان ميلادي ؟
وكيف نزحت الغيوم الى شتي البقاع ؟
ثمة بريق قد انفلت من يباب السعي خلف الأمنيات
فهل تنهض أحلامها الجزيلة لتجُز أعناق الواقع من سهاده ؟

على ناصية أو طرف العمر وقفت متأملة لا لتعبر الطريق ولتتحاشى عبور العربات والمارة أو للتوقف عن التفكير في ما آلت اليه الأمور ولا لتظهر أحزانها أمام المسافات التي تفصلها عن موطنها الأصلي ولا لتعزف لحن المنفى الشجي الحزين الذي تعيش فيه
بل لتعرف كيف انخدعنا بالوقواق وهو طائر ينتظر طيور أخرى معينة إلى أن تبني أعشاشها وتبذا في الإباضة فتتسل أنثى الوقواق كل مرة لتضع احدى بيضاتها وتزيل بيضة واحدة لصاحبة العش دون أن تنتبه وهكذا على التوالي إلى أن تضع كل بيضها ليحضنه الطائر الآخر وإضافة لذلك فبيض الوقواق يفقس مسرعا وصغاره أكثر خبثا فبمجرد الخروج من البيضة يشطّب العش من البيض الآخر وصغاره ليخلو له المكان وليستحوذ على كل الطعام وبعد أن يصبح قادرا يطير بعيدا دون أن يعلم المتبني عن الأمر شيئا صورة آية في الخبث والخداع والحيل ، والذهاء ، بليغة المعاني والدلالات فالشاعرة تتسائل كيف انخدعنا بالوقواق وهي تعني المحتل الذي زرع وسطهم بالخديعة والخبث والحيل
ليتحول المكان إلى جزيرات (كانتونات ) تشبه ندف الثلج عبارة عن مخيمات نزوح حيث جُمّع المهجرون قسرا …
ولتُخترق الذات الشاعرية باسئلة وجودية حارقة متسائلة عن متى تكلمت ؟ وأين كنت موجودة ؟ وأين ولدت ؟ تسائل الزمان عن المصير الذي آلت إليه البلاد وهي من ضمنها
لتستخلص أن هناك بريق انفلت من خواء(اليباب) السعي خلف تحقيق الأمنيات
قد يسمح بإمكانية نهوض الأمة من كبوتها ومعانقة أحلامها الجزيلة العطاء لتقطع دابر هذا الواقع من جدوره
وتتسائل هل ستُستغل إمكانية هذا الحلم ليتحول الى واقع …
في هذا الجزء تنفجر تداعيات الذات الشاعرة واسترجاعات الذاكرة متسائلة
كيف خدعنا ؟
كيف تناثر المكان من بين أيدينا ؟
كيف ظهرت أعشاش الشتات ( مخيمات اللاجئين الفلسطنيين ) في شتى البقاع ..؟
نلمس صراخا مدويا وجوديا في هذه الإسئلة الحارقة مفعما بالحسرة والندم الذي استوطن الذات الشاعرة التي استقته من الذات الجماعية لأن جل الأسئلة كانت ب ”كيف” التي تسائل الحال والذي يكون عامة مرتبطا بالمجتمع ويتطلب جوابا عميقا…وللتنفيس واخراج الذات من شقاوة الجواب ترى بريق أمل ينسل من يباب السعي خلف الأمنيات في حلم ليغير الواقع المرير ، ليطرح سؤالا استفهاميا بهل التي تقتضي الجواب بلا أو نعم في ضيافة شك بوجود مخرج للأمة الضاربة بجدورها في التاريخ والمتهاونة في الحاضر…
هل بقيي ايائل الحلم نضيرة ..؟ هل لا زال هناك ما يعتمد عليه ولو من باب الحلم للتنفيس عن الذات الغاضبة المضغوطة

كان حفيف الأشجارالوارفة يخفي أصوات البلابل عن مسار الرصاص ..
كانت حقول السمسم تفرض صداقتها على الطيور الجارحة..
كنا أغنياء حين صدقنا فقهاء البيدر بأن من يحمل شهادة تعبه يجد دربا ممردا باللؤلؤ والزمرد
كنا نمارس الطيبة على أيك النقاء كانت قلوبنا مطرزة بحرير الـتراث..
والسنابل التي أصبحت ببصائر اليوم سجنا للغد المهاجر ..
وهاأنا أعيش مقفرا…
كنت موهوبا أقبع في زنزانة الحيرة واسائل الوقت ..
هل كانت تلك البيارات لي ؟
وذاك المرج الثري لي ؟
هل كان المدى اللازوردي المغتسل برطيب الندى المسائي لي ؟
ما زلت أشم أثري على الحجر فأبصره كنجوم نشيدي
المنتصب على المسرح

يتم استحضار التارخ بفعل ”كان ”الذي يفيد الوجود متمثلا في حفيف الأشجار في الغطاء والتستر والحماية ليخفي أصوات أبناء الشعب ويُحرف مسار الرصاص حتى لا يصيبهم دليلا على أنهم حاليا عراة مكشوفين كهدف واضح للرصاص
كانت خيرات البلد تعود لأهلها الذين عرفوا كيف يفرضون الإحترام على العدو المشبه بالطيور الجارحة على عدم الإعتداء على حقول السمسم التي تمثل كل ما يرمز إلى خيرات البلد سواء كانت مادية او في شكل عقول و سواعد المواطنين
كانت البلد غنية حينما صدقت فقهاء البيدر الذين تكون تقديراتهم صادقة على الدوام والتي تقول إن من يكد ويجتهذ بيديه سيجد الطريق معبدا أمامه بالأحجار الكريمة ليصل الى مستقبل أفضل زاهر ومضمون مقارنة بفقهاء الحقول الذين قد تخطىء تقديراتهم
كان الناس طيبين في بحبوحة من العيش ينتسبون إلى النقاء وصفاء السريرة بقلوب نسيجها ممتدا عبر التاريخ الى تراث غني ومشترك يوحد ويقوي لحمة الجسم المجتمعي وكانت الخيرات وافرة .. كل هذا أصبح في رؤية مستقبلية سجنا للغد الذي سيتقلص فيه مايوجد ويضعف منسوب الخيرات مما سيجعل المجتمع في أزمات خانقة لتعلن الشاعرة احساسها بالعيش في مكان مقفر صحراء بيداء تكشط رياح الأعاصير رمالها كثيبا بكثيب
تحس بانها نهبت من طرف العدو وصارت تعيش سجينة في زنزانة الحيرة يقض مضجعها جملة اسئلة حارقة في متاهة الحيرة والندم والأسف والحسرة ما يخنق الأنفاس وما تضيق به الصدور وتدمى له القلوب وتحزن عليه العقول تتساءل ب ”هل كانت ” استفهام عن الوجود أو الملكية في الماضي وهو سؤال يتوخى في العمق الجواب بنعم أو اللهم اشهد أو التأكيد أن هذا كان ملكنا وأن على الآخرين أن يهُبوا لإسترجاع الحق لذويه .. هو تعبير عن مرارة من فقدان القدرة على اعادة الحق الى اصحابه والسكوت عن الباطل مثل ”شيطان أخرس ” …
هل كانت بساتين البرتقال لي (كوطن )..؟
هل كانت تلك المروج الثرية لي..؟
هل كان المدى اللازوردي لي …؟ : مايعني امتداد الأفق الجغرافي برا وجوا وعلى امتداد البصر كل هذه الاسئلة تفترض الجواب بنعم وهي استفهامية في صيغة التوكيد والامتعاض والاستياء مما حصل
في القفلة تعبر الشاعرة عن موقف فيه الكثير من الاصرار والصمود النضالي والتشبت بالمواقف.. رغم مرور الزمن فذاكرتها بكل حواسها موشومة ومتحجرة في ماقبل تهجيرها وانها لازالت تشم رائحة أثرها على الحجر طرية ، حية ، دليل على أنه لا زال لها موطء قدم منقوش على الصخر لن يمحيه الزمن أو سيول المطر ، ستعود الى موطنها فهناك تحجرت ذاكرتها وروحها إلى الأبد ويتراءى لها ذلك كنجوم نشيد وطنها المنتصب على المسرح والمتمثل في النضال المستمر الذي يعم كل المشهذ في الأراضي العربية الفلسطينة التي تأبى الخنوع او الإستسلام …..

4–الخاتمة :
نص ملحمي يحكي قصة وطن تحت الإحتلال بشكل دقيق وعميق منطلقا من عدة مستويات:
توصيف الحالة الراهنة /الحنين والشوق /مسائلة الذات وال”نحن”/مسائلة التاريخي/الإلتزام بالنضال الشعبي/ النضال الثقافي …
نص جميل راق متميز يعكس معاناة شاعرة منصهرة في واقع وطنها منذ نعومة أظافرها …

النص : للشاعرة وجدان خضور
وما زلت حيا…..!!!
شجرٌ ، وغيمٌ يابسٌ وعوسجٌ على الرصيف ..عبثية الظل تجترح اللاشكل على رقيم تقاطع الطريق .. مدون بالضباب .. ومؤطر بالضد …
هناك ما بيني وبيني مسافة يفصلها المنع ..
بلاد يقضمها الاسمنت الطائر وزفرات الوقت الصارخ في انتفاضات تشظت على جدار الخذلان .. وبلاد امتطاها الظلام وأسند ظهره لشرق وغرب

زيتونتان تعانقتا على سور بيت عتيق..وما بين محطة ومحطة رجل مسن يحمل في ذاكرته بيارات البرتقال ومغامرات قطافه …
مثل نور امتشق سهامه في طول الليل .
هناك أيضا طائران يطرزان حقلا ونهرا يتهادى باللوتس وأوزة فردت وجه جناحها وافترشته سريرا للأحلام ..

يمتعض عقيق الكواكب المخادع من صلادته ..

وقفت على طرر العمر ليس لأعبر الطريق ولا لتنبثق اشجاني في عزف المساحات والمنفى ، بل لأبصر كيف انخدعنا بالوقواق وتناثر المكان كندف الثلج على اعشاش الشتات ، ومتى نما صوتي وأين وُجدت فكان ميلادي ، وكيف نزحت الغيوم إلى شتى البقاع .
ثمة بريق قد انفلت من يباب السعي خلف الامنيات،
فهل تنهض باحلامها الجزيلة لتجز اعناق الواقع من سهاده ؟ هل بقيت أيائل الحلم نضيرة ؟

كان حفيف الأشجار الوارفة يخفي اصوات البلابل عن مسار الرصاص، كانت حقول السمسم تفرض صداقتها على الطيور الجارحة كنا اغنياء حين صدقنا فقهاء البيدر بأن من يحمل شهادة تعبه بيديه يجد دربا ممردا باللؤلؤ والزمرد /كنا نمارس الطيبة على أيك النقاء كانت قلوبنا مطرزة بحرير التراث والسنابل التي أصبحت ببصائر اليوم سجنا للغد المهاجر .
وها أنا أعيش مقفراً
كنت منهوبا أقبع في زنزانة الحيرة وأسائل الوقت هل كانت تلك البيارات لي وذاك المرج الثري لي ؟ هل كان المدى اللازوردي المغتسل برطيب الندى المسائي لي ؟
ما زلت اشم اثري على الحجر فأبصره كنجوم نشيدي المنتصب على المسرح ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى