ضلالة هداية.. تلون الحرباء (١١)

رضا راشد | الأزهر الشريف


بين التحولات و المراجعات

عبر سنوات طويلة أطل فيها محمد هداية على الناس بوجه الكالح من خلال شاشات الفضائيات، كان له من الأطروحات المتناقضة ما يدع الحليم حيران، حيث كان يقول الرأي يتعصب له كأنه الحقيقة المطلقة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ثم لا يكتفي بذلك حتى يهوي على مخالفه بمعاول سبابه وشتمه وغمزه ولمزه ..ثم لا تمضي فترة من الزمن طويلة حتى يكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، فيقول بعكس ما كان يقوله من قبل؛ بلا تفسير واضح، ولا سبب منطقي لهذا التحول المفاجئ من النقيض للنقيض؛ بل بتجاهل تام يبلغ حد التبجح بتسفيه الرأي الأول الذي كان يقول به من قبل،وكأنه لم يقله يوما؛ تعويلا على ضعف ذاكرة الناس .

حتى إذا فاحت رائحته وانكشفت للناس سوءته، حاول عبثا التعمية على الناس في أمر هذه التحولات وتلك التناقضات، بإيهامهم أن هذا من قبيل مراجعات العلماء لأفكارهم ومذاهبهم، حين يظهر لهم من العلم ويزاح من ستار الواقع ما يكشف لهم عن خطئهم في بعض آرائهم، فلا يستنكفون كبرا أن يؤوبوا للصواب، مقرين على أنفسهم بالخطأ ،كان، في آرائهم السابقة .

وسواء أكان هذا العدول من العالم عن مسألة فرعية أم عن مذهب ومنهج كلي، وسواء أكان عدولا عن الخطأ للصواب أم عن الصواب للخطأ= فإنه لأمر محمود في حد ذاته أن يكون لدى العالم من صدق الاعتقاد وشجاعة الرأي ما يجعله يعترف على نفسه بالخطأ فيما كان، وما يلزم عن ذلك من تعديل سلوكه .وجعبة التاريخ ملأى بهذا المراجعات بما لا تتسع له صفحة المقال.

وهذا هو الذي حاول محمد هداية -عبثا- أن يقنعنا به، وقد كان بودنا أن نقبله؛ إيهاما له بأنه نجح في خداعنا ، ولكن:أنى؟! وكيف؟! هيهات هيهات؛ إذ خلق الله فينا شيئا يدعى العقل, يأبى كل الإباء أن تنطلي عليه هذه الأكاذيب؛فشتان شتان بين ثَرَى التحولات وثُرَيَّا المراجعات: فالعلماء عندما يتراجعون عن بعض أفكارهم أو حتى عنها كلها فإنهم لا يتنصلون منها، بل يعدون هذه المرحلة -بعجرها وبجرها- لبنة من بنيان ثقافتهم يحرصون على إثباتها في سجل حياتهم وما يسمى بسيرتهم الذاتية.

إذ يبنون سبب ما كانوا عليه من خطأ – باعتقادهم – إلى ما صاروا إليه. وفي ذلك ما فيه من الدلالة على عقول العلماء: كيف يفكرون؟ وبم يفكرون؟ وفيم يفكرون؟ ففي ذلك مادة قيمة للأجيال القادمة.

فهل كان من محمد هداية شيء من ذلك؟ لا، لم يكن منه شيء من ذلك، بل كان منه تلونُ الحرباء: تجاهل ثم اضطرار إلى الاعتراف بها مجملة على استحياء وغموض وإبهام.. مما جعلنا أسارى سؤالات كثيرة واجب علينا طرحها وواجب عليه الإجابة عنها؛ حتى نستطيع أن نستشفع بها للعقل كيما يقتنع بأن الذي كان منه مراجعاتٌ لا تحولاتٌ.

(^) وأولها متى كانت تلك اللحظة الفارقة التي قررت فيها تغيير وجهتك وتبديل قبلتك عما كنت إلى ما صرت؟ وما السبب؟
(^)فيم كان اعترافك بالسنة ثم إنكارك لها؟ وما الذي كان يدعوك إلى الاعتراف بها أولا ثم تجاهلك لها أخيرا.
(^) وهل عرضت على أهل العلم شبهاتك وناقشتهم أم اكتفيت بالجري في الخلاء دونما منافس او مزاحم، وكما قالت العرب: (كل مجر في الخلاء يسر) أم أن الأمر كان استغلالا للواقع؟بل هو استغلال للواقع .
(^) ما أدواتك العلمية التي سلطتها على أحد الأدلة فكان منها رأيك الأول . ثم ما تلك التي سلطتها على الدليل نفسه فكان منها رأيك الثاني الذي هو نقيض رأيك الأول كما فعلت في آية الإسراء (رقم:٧٨) حين استدللت بها على أن الصلوات اثنتان ثم عدت بعد حين فاستدللت بها نفسها على أن الصلوات خمس، دونما تعرض لرأيك الأول الذي طالما تبجحت به.مسفها لاستدلال من عدت تنسج على منوالهم، وتقول بقولهم..وأسئلة أخرى كثيرة.

إن ما فعله هداية من محاولته التلبيس على الناس بشأنه في تحولاته- كمثل ما فعله فرعون مع الملأ من حوله حين تحدى موسى عليه السلام أن يأتي بآية {فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين* ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} [الشعراء آية٣٣،٣٢ ] وبدلا من أن يعترف فرعون لموسى بالنبوة لجأ للتعمية على قومه، بإيهامهم أن الذي جاء به موسى ليس آية ولا معجزة مؤيدا بها نبي، بل سحر يتعاطاه ساحر ماهر ..فكان أن عاقبه الله بنقيض قصده، حين فضحه على رءوس الأشهاد، بإيمان هؤلاء السحرة الذين استنصر بهم على موسى عليه السلام ، في تكذيب واضح له حين قال عن موسى: {إن هذا لساحر مبين }[الشعراء ٣٤]؛ إذ لو كان ساحرا ما استطاع أن يخدع السحرة .

هكذا كان عقاب الله لفرعون في تعميته وتلبيسه، وهذا ما نعمل جاهدين -استعانة بالله- على أن يكشف الله أمره، ويفضح شأنه، ويعري للناس خبيث هدفه..إذا لم يكن سبحانه قدر له التوبة ..والله المستعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى