الأصوات النقدية الذكورية وتداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية

د. نجاة صادق الجشعمي | أديبة وناقدة عراقية تقيم في الإسكندرية – مصر

حول التشظي وتداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية ومن هذا المنطلق سوف نعرج إلى الأصوات النقدية الذكورية وهم نخبة وكوكبة من الوطن العربي ومصر منهم أساتذة في جامعات مصر العربية وجامعات الدول العربية ومنهم مبدعون من مختلف الأقطار العربية والكل يتناول مشروع تجربةالكاتب الروائي (السيد حافظ)، ولا شك أن الرواية العربية تناولت أفكاراً وموضوعات ومفاهيم شعرية ومعلومات تاريخية قديمة معاصرة بأسلوب سردي متناسقدون الانسياق في متاهات وإشكاليات معتمدة المصادر والتوثيق للحد من تحجيم العقل وخنق الروح العربية من التفكير والإبداع اللفظي.. حسب ما جاء في علم الكلام في حديث للأستاذ (عز الدين إسماعيل) في مجلة النقد الأدبي (المجلد السادس –العدد الأول -1985)

إن علم الكلام يعتمد على العقل بوصفه أصلاً من أصوله. وبناء على ذلك فإن اهتمام هذا العقل سيتركز أساساً على نظام الخطاب وهو ما يوجب الفاعلية والمفعولية على صعيد الكلام.. وليس على نظام العقل أونظام السببية الذي يوجب الفاعلية والمفعولية على صعيد أشياء العالم الفكرية والحسية وهكذا ترتب على هذا التوجه مراعاة تجنب التنافر بين الكلمات دون مراعاة تجنب التناقض بين الافكار، كما أدى الاهتمام بنظام الخطاب إلى تعطيل الرقابة العقلية. مما يسمح للمعنى بالانسياب إلى وعي المتكلم والسامع والقارئ فيقبله كل منهم دون نقاش على حد سواء ….).

إن الأدب العربي ارتبط ويرتبط بالتراث وقداسة الشعور والأحاسيس والتخيلات والتصورات، وما بين الحاضر والحنين إلى الماضي، هذا يؤكد أننا لن نعد ننظر إلى التراث والتاريخ والأجناس الأدبية بأنها كيانات منفصلة عن بعضها البعض وإنما هي كيان موحد لكنه غير منغلق على ذاته. ولم تعد الأجناس الأدبية مبعثرة على التراث فقط رغم أنه تراث غني نفتخر به لكن للعقول المستنيرة والخيال والثقافة الأدبية و ثقافة الفكر والطبيعة والواقع الخصب دوراً مهماً في التجديد؛ لذلك علينا تعميق النظر والرؤية الحاذقة في كل جنس من الأجناس الأدبية مع الانعطاف ومعاودة النظر للتراث بين الحين والآخر ومقارنة مدى التطور والرقي والتألق وتحديد مواقع الخلل والضعف بالنسبة لكل جنس من الأجناس، وهنا يبرز دور النقد الأدبي وابتعاده عن التملق والوصولية وعليه بذل الجهد سعياً وراء الحق والحقيقة سواء ما يتعلق بالنصوص التي كتبت في الماضي أو النصوص التي تكتب حالياً من أجل المستقبل ليكون تراثا غنيا بالعبقرية والثقافة الفكرية؛ فكلما ابتعدنا من داء العظمة والأنا قد لا تكون عند البعض أو قد يكون هذا من شأنه يعيننا على رؤية مستقبلية مزدهرة وعميقة بمضامينها ويشرع لنا الكشف عن الروافد التي تغذي الأدب العربي بكل أجناسه والوقوف على العلاقة بين العلوم الإنسانية والنقد بالرغم من الصعوبات التي واجهت النقد والنقاد في البدايات الأولى، مع العلم يجب علينا الإشارة إلى من رفد هذا النقد منذ البدايات.. هو الواقع الاجتماعي والأساس اللغوي الرصين والذوق والحس الفني والجمال وأقصد جمال الروح والهمس والخيال وتوثيق الحقائق وبعض الأحيان تصحيحها والابتعاد عن التطرف والطائفية وتقيمها وصياغتها بأسلوب فني سلس وهذا إن دلَّ على شئ فيدل على حصيلة القارئ الثقافية والكاتب وفكره الثقافي البعيد عن التيار الديني وللأخلاق والقيم العربية الأصيلة المتجذرة والنماذج والملاحم الشعرية الموروثة والموازنات الشعرية وإعادة كتابة الأجناس الأدبية بعد أن برز تألق وتجدد النقد الأدبي وجنوحه إلى الدقة والموضوعية والمناقشة للوصول إلى النص الجيد والكاتب المبدع والإبداع الفني وإبعاد المتسلقين الأقزام وأشباه الأدباء والحد من سرقات النصوص ونسبتها لهؤلاء الأقزام.. هنا وصل النقد الأدبي إلى الموضوعية والاستقلالية والأصالة، هذا نابع من أصالة لغتنا العربية ولا ننسى الكتاب الكريم (القرآن) وإعجازه وأعلام العرب في اللغة والنحو والبحور والأوزان والقصص والحكايات وقدرة الحكي واللفظ والكلام وصياغة الكلام والتمثيل والمسرح، وكان للعرب باع كبير في هذا ليس الآن وإنما منذ عصور ما قبل الإسلام عبارة عن الشعائر والطقوس الدينية والأفراح، ولكل شعب أو مجتمع حكايات متصلة بأواصر مع بعضها كونت التراث والمورث الغني بالإيقاعات الصوتية والشعرية والكتابية الموزونة وبفلسفة جمالية منفردة متواصلة بالعطاء والإسهام بالتجديد وخصوبة النصوص تغري القارئ والنقاد لتناول نصوص ممزوجة متداخلة منسوجة بجمالية ومتانة يصعب على القارئ أو الناقد من استلال نسج أو جزء من هذه المنسوجة لأنها تركيبة غير قابلة للاختزال إلا بنية التدمير والعبث بالنص وتمزيق الحبكة السردية، قد أكون قاسية التعبير وغير ملمة ببعض الاصطلاحات لكن ما بين المزايا والعيوب حقيقة لا يمكن لنا فصلهما إن كان سلباً أم إيجاباً؛ فليس المسرح هو الوسيلة الوحيدة الذي يوثق ويتعامل مع التراث ويعرض الطقوس وأشكال التعامل المتنوعة للحياة، فلا يمكن أن نهمش الأجناس الأخرى ونقول إن المسرح هوية الفن والأدب وخشبة العرض لواقع الحياة اليومية ونطبعه بهوية الواقع.. هنا سؤال:

هل المسرح قادر على ممارسة الحرية؟ أي حرية العرض للواقع الحالي. إذاً التهميش يحرم على كافة الأنواع لأن الواحد يكمل الكل.. فالمهمة الأساسية للأدب وأجناسه كافة هي (تحقيق المتعة) سواء عرضاً أو كتابة الحكايات والروايات والقصص أو بقراءة الشعر والنثر، فكل جنس له جمالية ومتعة عند مشاهدته أو قراءته وسماعه، ماذا لو جمعنا من كل جنس وأخذنا صفة جمالية معينه.. كيف سيكون المزيج ذوقاً وجمالاً؟ لذلك سعى النقاد العظام والهامات البارزة في الوطن العربي لتقديم هذه الدراسات لكي يؤكدوا أن الأدب العربي بكافة أجناسه المكان الوحيد الذي بإمكان الإنسان أن يمارس فيه (الإنسانية، والمدنية، والتواصل مع الماضي) بالاستعانة بالتراث فيخلق ويبتكر ويكتشف ويتخيل ويتنفس كما لو أنه يسعى إلى أن يولد كالجنين النابع من أعماقالروح يصارع لكي يعيش ويواجه الحياة ويخرج من شرنقة الظلام للنور ليستبدل عالم التناقضات والتقلبات الجوية بعالم يناسبه وينسجم مع روحه وكينونته. ليستبدل عالم عرفه بعالم الأحلام الذي تخيله ليعيشه. مهما تحدثنا وكتبنا عن العلاقة بين الأجناس وتنوعها نبدو مقصرين؛ فلا يمكننا مغادرة عالم الفن والذوق والجمال والإبداع من غير أن ننطلق محلقين معا للمجد والتألق والتجديد للأدب والنقد الأدبي، مع كل المسميات وتعددها يبقى الهدف إظهار النصوص المتميزة والكتاب المتميزون والأدباء والنقاد العمالقة ممن كان لهم دور فعال ومؤثر في الحركة النقدية دون التنكر لجهودهم الجبارة وشخصيات معروفة على الساحة العربية والعالمية فيمنحني هذا التألق الاطلاقة بحبكة متواضعة أمام أسماء مؤلفين لهم بصمات واضحة في الأدب العربي؛ حيث أن الوطن العربي يمتلك كتاباً مبدعينوكتاباً كباراً في الرواية، ومنهم من تألق وكتب عن هموم المرأة الهندية من خلال رؤيةسياسية واجتماعية تبين المعاناة الاجتماعية والسياسية للمرأة الهندية وهو الكاتب الأول الذي عبر عن هذه المرأة في وجدان الهنود. ولذلك يتعرض لقصص حب مثالية محافظة على العادات والتقاليد والأعراف الهندية دون التعرض لأي مشهد جنسي مكشوف. (أحمد القاضي) في الرواية قضايا وآفاق (جوائز نوبل للآداب الشرقية) دكتور ( مدحت الجيار) الملف الأول ص 9

أما أديبنا الراحل (رحمه وغفر الله له)حصل على جائزة نوبل رغم أن هناك أقلاماً كتبت وأبدعت وتجاوزت أحياناً، وكتبت بكل ثقة دون نقص وأضافت جمالية وتجديدا للرواية العربية ما بين السرد والحكي في عالم الحكايات والأساطير والسير والكتابة الكهنوتية التي لا تزال آثارها في ثقافة العالم الحديث، والأستاذ الروائي الكبير الراحل (نجيب محفوظ)، هو نجيب عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا، ولد في (11 ديسمبر 1911) بالقاهرة، متزوج من عطية الله إبراهيم (1954-2006) كتب منذ الأربعينيات واستمر حتى وفاته في (30 أغسطس 2006) وجميع كتاباته كانت تدور أحداثها حول مصر والحارة التي كانت تساوي العالم بأسره لدى نجيب محفوظ.. لقد أمضى طفولته في (حي الجمالية) وأكمل دراسته وحصل علىليسانس الآداب قسم الفلسفة، تميز وذاع صيته كرائد للرواية العربية، وهو أول كاتب عربي حاز على جائزة نوبل في الأدب؛ فهو ليس الأفضل؛ هو منضمن هؤلاء الأعلام الذين كتبوا وترجموا قبل الأديب الراحل الفائز بجائزة نوبل، وأشهر أعماله:حديث الصباح والمساء، نشرت 1987، خان الخليلي (حياة الإنسان وطموحاته)، ملحمة الحرافيش 1977 أحداثها حول قصة عشرة أجيال متتالية تنحدر من عائلة واحدة وجدٍّ يدعي عاشور، زقاق المدق 1949 التي تمت ترجمتها إلى الانكليزية عام 1966، بداية ونهاية (اجتماعية واقعية) والتي تم نشرها 1943، القاهرة الجديدة ،وغيرهم العديد والعديد. هناك سلسلة من الكتاب والأدباء وعباقرة القصة والرواية والمسرح ابتداء من (الطهطاوي) والروائي اللبناني الكبير (خليل أفندي الخوري) وغيرهما ممن أعطى للرواية الثقة، وكذلك نمر بكوكبة أخرى تضيء في سماء الرواية العربية منهم (أحمد شوقي، طه حسين، توفيق الحكيم، يحيى حقي، حسين هيكل، والمازني، والعقاد، وطاهر حقي، وطاهر لاشين) كلهم ساهموا في دخول فن الرواية إلى العالم العربي في لغة عربية مناسبة لكل عصر بدلا من لغة ما سبق، أي: لغة القرن التاسع عشر، بل فتح دخول الرواية إلى لغتنا وأدبنا، فتحاً آخر لتعرف النقاد العرب إلى نقد الرواية (كباب جديد) للكتابة النقدية الحديثة، نقلا عن كتاب: (الرواية – قضايا وآفاق) ص9 للدكتور (مدحت الجيار) والأستاذ محمد مروانفي 1أغسطس 2016 .

وفي وسط هذا الزحام نضطر لسماع أصوات الساخطين من طول الانتظار والترقب والتمني من أن تقرأ نصوصهم وتكرم مع كثرة حركة المتقافزين بنصوصهم ذات الحوارات التي تملأ القلب والروح هلعاً وخوفاً على وأد اللغة العربية.. هنا ومع هذا التألق والإبداع والعمالقة أقف مذعورة أقرأ وأراقب بكثب تقليب الأوراق وقراءة السطور والمفردات الرهيبة، وثمة شعور انتابني ولازمني قد يهتز العالم العربي والعالم أجمع بحدث مروع أو يكون حدثاً مفرحاً سيقع بين هذه الأجناس الأدبية المتنافرة سابقاً والمتجاذبة حالياً في نصوص غاية في الروعة والإبداع هزمت الصمت الهزيل المحطم باليقين والوجود الفنيفقدم الأفضل والأروع بقفزة رشيقة مودعاً التقليد والسردية التقليدية واضعاً نموذجاً للرواية التي سبقه أقرانه الأوائل في ولادتها والحفاظ عليها كشجرة تساقطت أوراقها وجفت أغصانها لكن بفضلهم واستمرارهم بإرواء تلك الشجرة بإبداعهم اخضرت وأينعت قطاف ثمارها. وما بين الخوف والهيبة وربما ما بين السؤال والحيرة وربما ما بين الشعور والسمع وربما ما بين التحمس والصمت، بعناء أتصدر السائلين وأرتمي على تلك الشجرة وآخذ بجذعها متحمسة أهزها لتتساقط علي ثمار المبدعين مع فجر جديد للرواية العربية والتي وجدت وتعايشت مع أجناسها الراقية. راودتني فكرة قد تكون غريبة وتجعلكم تستغربون أو قد توافقوني الرأي، لو أخذت حبلاً وكفتين وصنعت ميزاناً ووضعت بكفة أعمال الأستاذ والكاتب الروائي (السيد حافظ) .

وفي الكفة الأخرى (أعمال الكتاب) الذين حصلوا على جوائز الدولة، ماذانرى؟ الكفة الرابحة لمن؟

سوف نتطلع علىنماذج من الأدباء المبدعين منهم (الكاتب والأديب الروائي المشاكس صانع الأزمات مصري الجنسية يميل إلى الفكر اليساري ومن الكتاب المفكرين والمثيرين للجدل خصوصاً بعد رفضه استلام جائزة الرواية العربية2003 سجن خمس سنوات ( 1959 -1964) على أثر حملة شنها الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر). فمن الملاحظ أن في أواخر حياته كتب مجموعة قصص قصيرة بعنوان (أحلام فترةالنقاهة)، كسر كل الأساليب التي استخدمها من قبل في رواياته فمن المعروف أن الرواية العربية قد حققت خروجاً عن النوع على يد الروائي الكبير (صنع الله إبراهيم) تميزت أعماله بصلتها الوثيقة المتشابكة مع سيرته من جهة ومع تاريخ مصر السياسي من جهة أخرى.

أشهر رواياته: اللجنة (1981) هجاء سافر لسياسة الانفتاح التي انتهجت في عهد السادات.

بيروت بيروت: (1948).

رواية شرف ثالث أفضل روايةعربية حسب تصنيف (اتحاد الكتاب العرب)، حصل على جائزة ابن رشد للفكر الحر (2004) .

رواية ذات، رواية وردة (التي كرمه الملك قابوس) رواية رائعة تحكي عن الثورات

أمريكانلي، التلصص، العمامة والقبعة، القانون الفرنسي، الجليد.

أما أهم قصصه القصيرة:

تلك الرائحة، سيرته الذاتية، مذكرات سجن، الواحات، الثعبان، أرسين لوبين، أبيض وأزرق.

قصص الاطفال:

الدلفين يأتي عند الغروب، رحلة السندباد 8، يوم عادت الملكية القديمة، عندما جلست العنكبوت تنتظر، علماً أن الأديب والكاتب (صنع الله إبراهيم) بعد روايته (وردة) التي تضمنت السرد في الثورات العربية والاشتراكية وبالأخص عن محاولة جمهرة السلطنة العمانية في حقبة الستينات عن طريق مجموعة من الثوار المصريين واللبنانين وقد لاقتالرواية (وردة) قبولاً في الأوساط الثقافية (المصرية واللبنانية والخليجية). يعد الكاتب الروائي (صنع الله إبراهيم) أحد أكبر الروائيين المصريين الذينيتمكنون من السرد والحكي ويميل أسلوبه إلى ماركيز إلا أن (صنع الله إبراهيم) يعد أقدم من ماركيز ككاتب ويتحتم على القارئ أن يضع تركيزه كاملاً في رواياته حتى لا تهرب منه خيوط الرواية، علماً أن الكاتب الأديب الروائي (صنع الله إبراهيم) من مواليد القاهرة 1937 م

مع كل ما ذكرناه من إبداع وتألق أدبي وفني للكاتب الأديب والروائي (صنع الله إبراهيم) هناك العديد من الأقلام الصارخة والغاضبة والحرة التي كتبت ونقلت وعبرت لنا واقع حال الأمة العربية ومعاناتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في فترات متعاقبة من السيطرة والاستغلال والاستعباد والتصدي والتحدي وإعلاء الصرخات من أفواه الشرفاء أبناء هذه الأمة.. فيهرع الأدباء والكتاب للمضمضة بحروف الغضب لينفثوا دخان أقلامهم التي احترقت ليقذفوا بلهيبها حكايات حب الأوطان وقصص البطولات.. حكايات الإصرار لتهز ضمير السامع والقارئ فهناك من ينصت وهناك من يثور ومع كل الألم والحزن هناك من يعشق ويتصارع مع الجنون فيشدو ويؤلف روايات في العشق وجنون الحب والبعض يتهم البشر في إفساد وتلوث الأماكن كما وضَّح ذلك لنا الكاتب (صبري موسى) في روايته العظيمة (فساد الأمكنة). (صبري موسى، مؤسسة اليوسف- سلسلة الكتاب الذهبي، العدد 216 -1975) وهو يحكي لنا سيرة ذلك المأساوي نيكولا، اعتمد الكاتب على التقدم العلمي وأحيانا التحذير من هذا التقدم، والخيال العلمي. استخدم الخيال العلمي المرتبط بالواقع لخلق المدينة الفاضلة النابضة بالحياة (فصول- مجلة النقد الأدبي – المجلد السادس- العدد الأول -1985) بقلم الأستاذ (حسين عيد). رواية (السيد من حقل السبانخ) اتصفت هذه الرواية ببناء معماري متميز ومتطور، يتداخل في تشكيل نسجه الذي قد يخدعنا ببساطته (حسب ما قال الأستاذ حسين عيد) بثلاثة محاور مختلفة، تتكاتف وتتضافر بالاستعانة بمنهج تحليلي يقوم بالربط بينها لتخلق لنا المدينة الفاضلة) لكنها نابعة من الواقع، يعيش البشر بين أركانها سعداء، والمحاور الثلاثة هي:

 أولاً:حكاية هومو، وهو يخرج عن النظام.

ثانيا: المعيشة وتفصيلاتها.

ثالثاً: البناء الفكري الذي ترتكز عليه المدينة الفاضلة.

ويذكر الأستاذ (حسين عيد) أن الكاتب الروائي (صبري موسى) جاوز الواقع بتقديمه الرواية محلقا إلى آفاق فنية وفكرية عالية جديدة تعد انعكاساً لقدرات الفنان الكامنة فيه عندما يتبنى قضايا المجتمع الإنساني عامة وقضايا مجتمعه خاصة وتغيرأنماط العلاقات الاجتماعية، وحافظت على إطلاق الحرية لغريزة الجنس والتعبير والكلام بحيث أصبح الإنسان أكثر حرية وتخلص من بقايا غرائز الامتلاك، طرحنا هذه الرواية ليقارن القاريء أو الناقد، أو ربما لجمالها لأنه لفت انتباهنا وحذرنا من التقدم وما ينتظر مجتمعنا من عالم جديد متغير متطور، وربما تعرية واقعنا بكل قساوته وشروره، لكنها تبقى رواية (السيد من حقل السبانخ) عملاً خصباًثرياً يخط مساراً جديداً للرواية العربية مفجراًالكثير من القضايا الفكرية ومصوراً يوتوبيا عصر العلم لمجتمع يئن من التعب لاهثاً متكئاً تاركاً مغادراً، لعل يعود الفجر فيدرك النور، يتنهد باحثا عن الأصالة والتجديد بين قطيع شاغلوا الفكر العربي بأعمال ونصوص تمسح من الذاكرة وربما تثير الغضب والانكماش مندسين للخربشة على سطور النبغاء والعقلاء يحاولون زحزحة أصالة الأدب العربي كعادتهم يرمقنا ما يتصفون به من تسول وعجز إبداعي، فعليه يقتل هؤلاء اللغة وجمال الإبداع، يتخبطون بالحروف على السطور فينتُج نص لا معنى له ولا فن فيه كما لو كانوا رزموا حزمة أوراق خالية نلتقط منها حرفا تحت مجهر الارتعاب والأعجوبة. تباً لمن هداهم الأقلام والأوراق وتركوا السطور ترتجف رعباً وأسفاً وتصرخ “إلحقوني أيها الأدباء والنقاد الأذكياء الشرفاء، يا من رويتم السطور بعرق جباهكم وهمستم للحروف بأرواحكم ودخلتم بحروفكم التاريخ الذي يميز بين المناضل والخائن والقدرة على تحمل الصدمات”.

 لا استطيع السفر دون الوقوف في محطات الإبداع بذهول وارتباك ودهشة.. نفسي أسافر بين تلك السطور بقافلة السعادة.. فهل أحلم؟ أفكر؟ أم اسأل وأتردد وأقاوم كل الجمال والذوق وحروف العشق؟

ومن المعروف أن الرواية العربية قد حققت وجودها على الخارطة العالمية على يد الكاتب والاديب (نجيب محفوظ) ليس هذا فقط، بل ترجمة النصوص العربية والكتابة عن الأعمال العربية باللغات الأجنبية الإنكليزية والفرنسية والفارسية والتركية والكردية وبكل لغات العالم، وكما أكد (الدكتور مدحت الجيار) (أن روعة الأدب تكمن في جمال اللغة التي يستخدمها الكاتب ولا يمكن استبدال جمال التخييل اللغوي بذلك الذي تملكه الفنون الأخرى مهما كانت الأحوال، وأن جمال وسحر اللغة لن يموت أبداً)، (الرواية قضايا وآفاق- العدد 9)

وما بين الحلم والواقع مسافات زمنية.. ربما قصيرة.. وربما طويلة.. ربما مختلفة.. وربما يصبح واقعاً ملموساً.. هكذا كانت أمنيتي في يوم ما أكتب رغم أن اختصاصي حال بيني بين أمنيتي، لكنني عراقية لا مستحيل أماميصميمية مؤمنة بالتطوير والتجديد وأحياناً متمردة لكن بحدود الإنسانية والحق وانتشار العدل، يسعدني إسعاد الآخرين، ليت السعادة تحتضن أبناء العراق وتحتفي بلهفة انتظارهم النبيل لتنور تواصلهم العلمي والفكري والأدبي مع أشقائهم العرب في جميع أنحاء الوطن العربي لتترسخ على مدى الأيام والسنوات الثقافات المتبادلة لتكون زاداً ثقافياً لأهل الرافدين والنيل، أهل الحضارة والتاريخ والعلم والفنون ومنابع الثقافات ماضياً وحاضراً ومستقبلاً إن شاء الله.. ربما الحلم يصبح واقعاً

لماذا واحد ضد الجميع..؟

هل المواجهة السبب؟ أم التمرد؟ المشاكسة؟ النسيان؟ النفي؟ الطريقة؟ أم الذئاب الكاسرة؟

سأتناول قامة أخرى من الكتاب المبدعين أو بالاحرى والأصح(منظومة)كما أطلق عليه الأستاذ الصحفي الباحث (مجدي العفيفي): إن أعمال الكاتب (يوسف إدريس) تشكل مساحة واسعة ومتمايزة في عالم الإبداع الفني، بما تطرحه من رؤى عميقة ومتطورة للإنسان والعالم والكون وبما تحمله من معطيات فكرية ذات مرجعيات معرفية وأخلاقية وجمالية، وبما تصوره من ابنية وأنساق فنية يفضي بعضها إلى بعض عبر منظومة متناسجة في تجلياتها السردية على امتداد حوالي أربعين عاماً)

منظومة الكاتب الروائي (يوسف إدريس)

إحدى عشرة مجموعة قصصية، سبع مسرحيات، تسع روايات، ثلاثة عشر كتابا من المقالات، تزامنتً انطلاقة الأستاذ الكاتب الروائي (يوسف إدريس) مع ثلاث ظواهر مهمة؛ أعقاب الحرب العالمية الثانية وكانت بمثابة المهاد، وينتسب إلى جيل 1946 الذين صنعوا لأنفسهم مكاناً جديداً موازياً لجيل الأساتذةالعظماء (طه حسين،هيكل، العقاد، المازني، وغيرهم)، وإذ شاركوا بثقافتهم ووعيهم وإبداعهم في النضال بالإضافة إلى الواقعية فأصبح المذهب الواقعي السائد فكانت المناقشات النقدية جادة وحادة لكنها مجادلات ثقافية دالة على خصوبة المناخ بين الأدباء المثقفين والنقاد المفكرين فأثمرت وأينعت أدبياً وفنياً وفكرياً، ولا ننسى المعارك الفكرية التي أشعلت مرحلة حية من مراحل الغليان والتحول في (الإبداع الأدبي والفكري) أطرافها الرئيسية (العقاد، وطه حسين) من ناحية و(عبد العظيم أنيس، ومحمود أمين العالم) ومن سبح في فلكهما النقدي من ناحية أخرى باعتبار (عبد العظيم ومحمود أمين) من أنصار المدرسة الواقعية، فدخل يوسف إدريس من باب السياسة. فظهر اسمه في قصة قصيرة من خلال نصوصه التي تدافعت عام 1953 هو عام ميلاده الفني إذ جمع قصصه وأصدرها في مجموعته القصصية الأولى (أرخص ليالٍ) عام 1954 واستمر بالإبداع يتميز الكاتب ببنية الشخصية لتكون مكون سردي حيوي للوجود الإنساني والواقع فتميز بأنه صنع لفنه واقعية بالاضافة إلى العتبات النصية سواء كانت على شكل عنوان، فواتح ونهايات، هوامش أوضحت قدرتها الفنية، فلن يكتفي بهذا بل كانت له رؤى واضحة ومقاصد واعية وجمالية تضافرت لكشف الجمالية لديه. وأخيرا، إن أعمال الكاتب الروائي (يوسف إدريس) حسب ما أثبتت الدراسة المعدة من قبل الأستاذ الباحث (مجدي العفيفي)

فإنه استطاع وبجدارة ومهارة أن يحافظ على القصة القصيرة من التلاشي وأن أعماله القصصية تجدد نفسها مع كل قراءة كاشفة من حيث انفتاحها في مظاهرها الدلالية وقدرتها على تشكيل جدلية مستمرة بين فن يدعو إلى التفكير وفكر يحقق الفن. (مجدي العفيفي ص 428- لغة الاعماق البعيدة)

بعد كل هذا التاريخ الإبداعي والفني وللاستدلال على هوية الأدب والنقد الأدبي الذي للأسف دفن مجهولاوأحيانا يمزق ويرمى بطريق صحراوي وتارة يتأرجح بين الشك واليقين لولا الدراسات النقدية الموثقة التي قد تقود خطانا للإبداع ممن طرحوا هموم الشعب العربي المغلوب على أمره وهمومهم وذكرياتهم وأيام الزهو والانتصار للثورات والتحرير. معذرةً أيها الفساد السياسيأهيم على وجهي وأنا أتطلع أمام عمالقة جاهدوا بأقلامهم وناضلوا من أجل الإبداع الفني للأدب والنقد.. فهل يغمض لنا جفن دون أن نوثق الحقائق ونميز المبدع والمفكر والأديب من وسط الملايين دون التستر والتواطؤ على من أصابتهم بطنين الكتابة فانفجرت منهم أكوام قمامة يظنونها حكايات ولغة إبداع. روعة مبدع متألق، تسللت الحروف لتعلن وتصرخ.. ما دامت لغتي نظيفة طاهرة من الدنس ليس كل ما قالوه صحيحا، لقد فهمت لغة الإبداع الحقيقة والصدق وغادرت لتطرق الاذهان وتثير الأشجان وتتجمل بأفكار وتخترق العقول الواعية بالثقافة والذوق الحسي والجمال اللفظي ليصوغ لها حلية متميزة تعلقها على صدرها الدامي لتهدأ وتدب الروح لإحيائها.

هل يسقط حبل الميزان؟

هل تميل إحدى كفتيه؟

أم.. تتعادل الكفتان؟

الأمر متروك للقارئ المثقف الواعي والناقد المثقف المؤمن بالتطوير والتجديد والكاتب النموذج المبدع المستغني من (الأنا) الإنسان الواقعي البسيط الممتد بجذوره لحب الوطن والارض، الذي لا يخلط بين الليل والنهار لا ينحني فينكسر، شجاع بالعدل والحق والحقائق، لا يتراجع عن موقفه، مقاتل بقلمه وحرفه فلن يذعن، فلا يخلع جلباب لغته وينزوي منتظراً الفرار فينزلق، بل أمامنا نموذج متمرد أدرك ناقوس الخطر فلم ولن يستسلم أبداً، حاول ويحاول وبكل الأجناس منفصلة، وأخيرا متصلة مع بعضها البعض بأواصر ثقافية وفنية، فأضطر في نهاية صولتي أن أعلن اسم الكاتب الروائي المبدع الأستاذ (السيد حافظ) نموذجاً، وأسال:

لماذا السيد حافظ؟

إلى أستاذي الذي احتواني وعلمني ما لم أكن أعلم وكنتُ آمل جاهدة أن أقدم أو أقوم بشيء من أجل أن أجمع الدراسات لكبار الأدباء والنقاد من أجل إحياء اللغة والإبداع، المثقف الصادق المؤمن بالتقدم والتطور والتجديد فلتكن هذه التجربة حملة مصابيح لتنوير المثقفين للتصدي وتحدي تلك القوى الظلامية بشكل منهجي وها أنا أتمنى أن لا تنطفيء هذه المصابيح عرفاناً وإيماناً بالإبداع والفن الجميل والثقافة الفكرية للكاتب. ففي هذا الكتاب أدعو المثقفين كافة نقاد وأدباء وقراء وأن تكون دعوة جادة لحماية اللغة العربية وبالأخص الأدب والأجناس الأدبية بما يخدم الإنسان ويجلب الإصلاح والتجديد.

كيف إذاً يكون الكاتب الضرورة والمثقف الواعي؟

هل يصاب الكاتب بجنون الفن والعظمة؟

هل يستخدم الرموز والشخصيات المستعارة؟

وتكثر الأسئلة، كيف؟ لماذا؟ ومتى؟ كل هذه الأسئلة أنت عزيزي القارئء المثقف المؤمن بالتجديد وبالأدب وتنوعه والإبداع وجماليته.

سنتناول رمز التجديد والتنويع والإبداع والشاعرية والتجريب وكاتب قصص للأطفال وصاحب اللغة المتميزة والمتصفة (بالأبجدية الحافظية) من هو (السيد حافظ).. هل هو الأديب، الشاعر، الكاتب، الرسام، المصور، المؤلف، العازف..؟ هل ينقل (السيد حافظ)ا لواقع، الهموم، القيم والأخلاق، الحب والعشق، بناء وإصلاح، فكر موروث متطور.. أم يبغي أن يقدم لنا الرواية بصورة مستحدثة متطورة متجددة (الرواية المعاصرة) المسرواية، مع العلم أنه قاوم بمطرقته المتمردة وبلغته العبقرية كونه فنانا مبدعا يجيد النسج بتقنية فكرية وحسية جميلة وبرونق مذهل ورائع، وهذه صفة الكاتب الفنان أن يكون مدافعاً عن الحضارة؛ فهو الذي يصد بحروفه وسطوره وكتاباته أولئك الأقزام ويمنعهم من الخروج من أوكارهم ونشر أفكارهم التدميرية للأبجديات الإبداعية، لأن الفنان المبدع يبني أما الأقزام المتشبثين بالأدب والفن يهدمون. لذلك عندما نقرأ عملا من أعمال الكاتب (السيد حافظ) نستنبط أنه منقح للحرف ومصحح للمعلومه وتوثيقها بالإضافة إلى التعبير والحس وكتابتها بأسلوب بسيط غير معقد كي لا يصاب القارئ بالملل غير مرغم على استكمال القراءة لكن الذكاء للكاتب ضروري في حبكة النص ونسيجه من خيوط الواقع مع استخدام كل ما هو جديد وصادق وموثق في مصادر موثوقة ولا نستبعد دور الناقد الذي يشيرُ نحو تجربة (السيد حافظ) المغايرة والمختلفة؛ فتلك الدراسات التي تمَّ تجميعها عن الكاتب إنما تدلُّ على ذلك الثراء والزخم الفني والمعرفي والإبداعي برواياته المحتشدة بالجمال الخالص.

 وبالعودة لسؤالي السابق، لماذا السيد حافظ؟ أقول لكم من واقع ما خطته أيدي كبار نقاد الوطن العربي ومصر، من أمثال د. مصطفى الضبع، د. مصطفى رمضاني، د. إبراهيم بو خالفة، أ. أمجد ريان، أ. أحمد فضل شبلول، أ. أحمد حنفي، د. حسام عقل، د. أحمد المصري، د. كمال الدين عيد، د. محمد مخيمر، وغيرهم العديد والعديد، أقول لكم أن (السيد حافظ) استطاع أن يقدم نصه المتفرد والفارق، أن يقدم الرواية التي نُسبت إليه في بنائها الفني، أو كما اصطلح النقاد على تسميتها (الرواية الحافظية) كما أشار العديد منهم.

إننا أمام حالة فريدة إذن، نموذج فني متمرد، اضطلع بمهمة الجنون الإبداعي الذي لا يحدُّه حدّ ولا يمنعه فاصل ولا يؤطره شكل، أنتج رواية تتسمُ بالتشظي الأجناسي والموضوعي، أبقى على الروح وطوَّر الجسد، فهو مولع بالتجريب، يقول د. مصطفى الضبع عن رواية (نسكافيه) مشيراً نحو الجهد الذي بذله الأستاذ السيد حافظ لينتج نصه الخاص:

” لقد بذل المؤلف جهدا خارقا لإنتاج نص له سماته الخاصة التي على المتلقي ألا يقف دون بذل جهد مواز في التلقي”

ولم يتوقف الأمر عند رواية (نسكافيه) فحسب؛ فالمشروع الروائي الحافظي يعد مشروعاً ضخماً إن لم يكن الأضخم على الإطلاق في تاريخ الرواية العربية، ولن أكون متجاوزة إن قلت أنه الأضخم في تاريخ الرواية العالمية، وليس ذلك بالغريب على أديب ومسرحي وروائي قدير ودؤوب بحجم الأستاذ السيد حافظ.

والنموذج الروائي الحافظي نموذج معقد ليس من السهل أبداً تقليده؛ وذلك لما يبذله السيد حافظ من جهد وعناء أثناء الكتابة، وهو ما يجعل البناء الفني لروايته مدروساً بعناية وكأنه بناء هندسي، وهو ما التفت له الناقد الجزائري د. إبراهيم بوخالفة وذلك في تضاعييف حديثه عن رواية (قهوة سادة)، يقول متحدثاً عن بنائها:

“تتوزع الرواية على ثلاثة برامج سردية، وكل برنامج يستبطن ثراء تيميا لافتا، يتعين على الناقد الحصيف إجراء حفريات نقدية بالغة العمق والأصالة من أجل الكشف عنها. ذلك أنّ الروائي قد عمد إلى التكثيف الرمزي بالغ الخصوبة، من خلال الاستعانة بالأسطورة، والتاريخ الحديث والغابر، وبنفس المستويات من العمق.”

وللسيد حافظ لغة شاعرية ذات جمال وخصوصية، حصرها الناقد المصري أحمد حنفي في عدة نقاط وذلك في دراسته عن رواية (كل من عليها خان) تتلخص في الوصف، والتصوير، والإيقاع، والمونولوج الداخلي، لينتهي في دراسته مثبتاً أن لغة السيد حافظ الشعرية لا تبعد عن الواقع كما قال د. شكري عزيز الماضي في كتابه (أنماط الرواية العربية الجديدة) أثناء حديثه عن خصائص السرد الشعري، لكن الناقد المصري أحمد حنفي يؤكد أن هذا لم يحدث عند الأستاذ السيد حافظ، يقول:

“السؤالُ هنا، هل فعلاً أبعدتنا تلك اللغة الشعرية الموجودة بكثافةٍ ملحوظةٍ في روايةِ (كل من عليها خان) عن الواقعِ الذي نعيشه؟

الإجابةُ قطعاً لا، الرواية أثبتت خطأ مقولة د. شكري الماضي، إنها على العكسِ تماماً، غمستنا بالواقعِ، وآلمتنا بلغتها المجازيةِ بالقدرِ الذي أمتعتنا به. لا تكادُ تنتهي من قراءتها حتى تكون قد أَلِفتَ واقعَها وغيَّرت واقِعَك”

وليست القضية أن تحشد نصك بعدة أشكال وأجناس أدبية، مخطيء من يظن ذلك، ومخطيء من يظن الأمر سهلاً، فها هو الناقد المصري د. محمد مخيمر يتحدثُ عن تلك القضية في ختام دراسته عن رواية (حتى يطمئن قلبي) إذ يقول:

“إن العمل الإبداعي لا يكون إبداعيا إلا إذا أتى بالجديد المبدع المتناغم والمتناسق مع بعضه من حيث الشكل ومن حيث المضمون، وكلما تداخلت الأنواع والمضامين احتاج ذلك من الكاتب مهارة في قدرته على امتلاك أدوات الكتابة الأدبية عبر الأنواع وعبر المضامين وبالشكل الذي لا يجعل من الكتابة العابرة للنوع مجرد تجاور لنوعين أو أكثر من الأجناس الأدبية، بل يجعلها كنسيج واحد لا يمكن فصله. في تناغم يشبه تناغم الآلات التي تعزف لحنا واحدا، وبينما لكل آلة صوتها المميز فإنها لا تخرج عن دورها في رسم الصورة الكاملة للسيمفونية، ولا يستقيم اللحن بدونها. وقد كان السيد حافظ في نصه المتداخل – الذي من الظلم أن نطلق عليه مسرواية – بمثابة المايسترو الذي أجاد التحكم في أدواته وآلاته الموسيقية فأدارها باقتدار.”

فالموضوع ليس صدفة تفلح مرة وتفشل أخرى، إن الأستاذ السيد حافظ لديه القدرة والأدوات التي تؤهله لذلك النوع من الكتابة عبر النوعية.

في النهاية، فإننا أمام كاتب متمرد على كل الأعراف والتقاليد الأدبية المعروفة، ولا أجد ختاماً أروع من ختام د. أحمد المصري في دراسته عن رواية (كابتشينو)، إذ يقول عنها وهو ما أراه يصلح على جميع روايات الأستاذ السيد حافظ:

“نحن أمام رواية اختراق واحتراق تربط بين الما قبل بــــ الما بعد في الحكي ترجع إلى التاريخ وتسقطه على الواقع وتقدم لنا شكلاً جديدًا للسرد يعلو فوق التصنيف ويتمرد على النمطية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى