إسرائيل تتصرف بمنطق العصابة لا الدولة

نهاد أبو غوش | فلسطين

تقدم إسرائيل نفسها للعالم وللغرب خاصة على أنها دولة ديمقراطية، بل واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، وهي غالبا ما تحظى بالثناء والإشادة من قبل قادة الدول الرأسمالية الغربية وآخرهم المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل التي ودعت عهدها الطويل في الحكم بزيارة تضامنية لإسرائيل جددت فيها تعاطفها مع هذه الدولة المارقة ووصفتها بأنها واحة الديمقراطية وسط “محيط هائج”.

وكما أن الديمقراطيات الغربية البرجوازية لم تجد ما يشين ديمقراطيتها في ممارساتها الاستعمارية التي ارتكبت فيها الفظائع باسم هذه الديمقراطية والحضارة والتمدن وارتكبت فيها جرائم إبادة وأبشع أنواع جرائم الحروب والقتل والإفقار ومصادرة حق الشعوب في تقرير مصيرها، لم تشر ميركل إلى الممارسات الفظيعة التي تشوّه وجه الديمقراطية الإسرائيلية، ولا نكبة الشعب الفلسطيني ومآسيه المتواصلة منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وإلى استكمال اسرائيل احتلالها لكل الأرض الفلسطينية منذ أكثر من نصف قرن، فضلا عن ممارسات القهر والقتل اليومي وانتهاك المقدسات ونهب الأراضي وبناء المستوطنات التي يعتبرها ميثاق روما “جريمة حرب” ، كما لم تلتفت ميركل إلى أن إسرائيل باتت تبني بشكل رسمي نظاما للتمييز العنصري على غرار نظام جنوب افريقيا البائد، فقد سيطرت على طريقة تفكير ميركل عقلية التفوق الأوروبي العنصرية التي ترى في المستعمر عنصرا حضاريا يساهم في تمدين الشعوب المتخلفة التي نحن منها كعرب وفلسطينيين.

عادة ما ترتبط الديمقراطيات الحديثة بنظام لبناء الدولة تكون فيها السلطة للشعب من خلال عمليات الانتخابات والاستفتاءات في القضايا المهمة، ويسود فيها مبدأ الفصل بين السلطات، وقيم المواطنة والشفافية والنزاهة وحقوق الانسان، صحيح أن إسرائيل لديها نظام ديمقراطي لتداول السلطة ودورية الانتخابات، ولكنه نظام ديمقراطي لليهود فقط، وحين يصل الأمر لدور الفلسطينيين العرب وإمكانية مساهمتهم في صياغة مصير الدولة ومستقبلها، فإن كل مؤسسات وقوى الصهيونية الحاكمة تستنفر لحرمان الفلسطينيين العرب من ذلك مع أن فلسطينيين المناطق المحتلة عام 1948 ممن فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية يتمتعون رسميا بحق الادلاء بأصواتهم.

في ممارساتها ضد الفلسطينيين بشكل عام تطبق إسرائيل نظام التمييز العنصري بشكل رسمي، فهي تمارس نظامين قانونيين لمن يقيم في الضفة الغربية: نظام مخصص للفلسطينيين وهو خليط من القوانين والأنظمة العسكرية الموروثة عن الانتداب البريطاني، واخرى وضعها الحكم العسكري الإسرائيلي، ونظام قانوني محدث ومطور للمستوطنين، مثلا ينطبق قانون حقوق الطفل وقوانين الأحداث المطورة على المستوطنين دون الفلسطينيين فإذا ارتكب مستوطن جنحة أو جريمة وهو دون الثامنة عشرة يحظى بمعاملة الأطفال، ويوضع في مراكز لتأهيل الحداث، بينما إذا ألقى طفل فلسطيني حجرا على دورية يمكن ان يحاكم كالكبار تماما، نفس الأمر يطبق على الأسرى والسجناء فاليهود منهم وهم غالبيا أسرى جنائيون يتمتعون بكل مزايا السجون الحديثة من رعاية صحية وزيارات واجهزة وشروط صحية وتغذية وإجازات، بينما يحرم الأسرى الفلسطينيون من كل ذلك وتمارس ضدهم أبشع عمليات التنكيل ويحرمون حتى من حق التعرض لأشعة الشمس ولو لدقائق معدودة ، ويحرمون كذلك من وسائل التدفئة في الشتاء القارس.

تغيب معايير الدولة الديمقراطية الحديثة كذلك في لجوء إسرائيل لمنطق العصابات وعقلية الانتقام وفرض العقوبات الجماعية من خلال إيقاع عقوبات على المحيطين بمنفذي العمليات الفدائية، وهذه العقوبات تشمل أحيانا مناطق وقرى وبلدات وعشائر بأكملها، فضلا عن جميع أفراد العائلة القريبة الذين قد تهدم منازلهم ويحرمون من تصاريح العمل والسفر والحركة، وحتى بعد الإفراج عن السجين أو الأسير يبقى معرضا للعقوبات والتنكيل مدى حياته.

من اشكال العقوبات الجماعية التي تطبقها إسرائيل ما قامت به عند اعتقال جميع نواب حماس وقادتها السياسيين والأكاديميين بعد تنفيذ عملية خطف ثلاثة مستوطنين عام 2014، وكذلك اعتقال المئات من قادة وكوادر الجبهة الشعبية من جميع مناطق الضفة بعد تنفيذ عملية ضد المستوطنين 2019، وإعادة اعتقال الكاتب والمناضل المعروف أحمد قطامش لمرات لا حصر لها مع أن الكل يعرف أنه غادر موقعه التنظيمي في الجبهة الشعبية منذ سنوات طويلة (ولم يغادر قناعاته الفكرية والسياسية) وكذلك إعادة اعتقال السير المقدسي مدحت العيساوي عدة مرات بعد تحرره من السجن وهو الذي أمضى في السجون اكثر من نصف عمره اي 27 عاما من 45، كل ذلك يؤكد أن نزعة الانتقام وتصفية الحسابات هي ما يحرك دولة إسرائيل ويتحكم بعقلية القائمين على حكومتها وجيشها واجهزتها الأمنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى