الناقد الدكتور سعد التميمي والإعلامي عليّ جبّار عطيّة (وجهاً لوجه)

بغداد | خاص

الخطاب النقدي مستمر ومتجدد يواكب حركة العصر والتحولات الاجتماعية والمعرفية ليعيد إنتاج نفسه بشكل جديد

ما يميّز جيلنا هذا الانفتاح عبر وسائل التواصل الذي جعلنا نختصر المسافات والوقت للوصول إلى المتلقي العربي عبر ما قدمته الثورة الرقمية للإبداع بأشكاله المختلفة

المداومة على قراءة النصوص قضية أساسية للنجاح في تفكيك شفراتها

 كان القرآن الكريم عاملاً محفزاً لإرساء علم البلاغة فضلاً عن تأسيس الخطاب النقدي والشروع في تثبيت مصطلحاته ومناهجه

أثبتنا بشكل علمي صحة نسبة ما موجود في النهج للإمام علي

غياب كبار النقاد عن الساحة ترك فراغاً كبيراً إلاّ إنَّهم تركوا إرثاً نقدياً كبيراً في مجال التنظير والإجراء ما زال حاضراً بيننا

حين تلتقيه أول مرة تشعر أنَّك تعرفه منذ زمن طويل، ذلك لأنَّ البساطة سمة من سماته لكنها لا تظهر في النقد الأكاديمي الذي يكتبه فهو جريء وملتزم بالمنهج الذي اختطه لنفسه، ومستمر في رحلة الكفاح منذ سنوات دراسته الجامعية في بغداد، ورحلته إلى اليمن سنوات الحصار في التسعينيات ، ومغامرته في حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان في السودان سنة ١٩٩٤م. مثابرته لم تكل فهي معه إلى الآن أُستاذاً في كلية التربية، قسم اللغة العربية في الجامعة المستنصرية ومديراً لمنصة إبداع ضمن مشروع بغداد مدينة الإبداع الأدبي التابع لمنظمة اليونسكو.. إنَّه الناقد الأستاذ الدكتور سعد محمد التميمي.. صدرت له عدة كتب منها :(الخصائص الأسلوبية والبنائية لنثر الإمام علي(ع) في نهج البلاغة) /جامعة أم درمان الإسلامية /١٩٩٧م، و(البناء الفني القصيدة السياسية في العصر الأموي) /مركز عبادي للدراسات والنشر /صنعاء /اليمن /٢٠٠١م، و(مباحث في علم البيان) /مؤسسة دار الإسلام /بغداد / ٢٠١٦م.. كنتُ سعيد الحظ بمرافقته، وشقيقي الشاعر عبد الرزاق الربيعي أيام مهرجان المربد الشعري في البصرة مطلع شهر تشرين الثاني سنة ٢٠٢١م فكان دائب الحركة، حاضراً في القراءات الشعرية، والجلسات النقدية، والحوارات الثقافية التي تجرى على هامش فعاليات المهرجان.

فاتحته بإجراء حوارٍ معه فرحب بذلك، فبدأت بوضع الأسئلة في البصرة، وأخذت منه الإجابات في بغداد برغم أنَّني  انتزعته من طلبته في كلية التربية/ قسم اللغة العربية /الجامعة المستنصرية، وكذلك من الندوات التي يديرها ويشارك فيها بفاعليةٍ لأجري معه هذا الحوار.

ما الذي دعاك إلى التخصص بالدراسات النقدية البلاغية، وهل هناك مؤثرات بيئية؟

 تعد الدراسات البلاغية والنقدية قاعدة يتم الكشف من خلالها عن دلالات (النحو والصرف واللغة والأدب بأجناسه المختلفة) اذ توفر فنون البلاغة للمبدع (المرسل)الآليات التي تساعده في الكشف عمَّا يجول في نفسه من معانٍ ببيانٍ حسنٍ ومؤثرٍ، يسهّل وصول المعاني إلى قلب المتلقي (المرسل اليه) ليفهمها ويتفاعل معها ويتأثر بها، أما علم البلاغة فإنه يفصل في إيضاح هذه الآليات، وعملية اشتغالها ، ليتحقق هدفها في الكشف عن جماليات النص الإبداعي التي تقوم على التواصل والتبليغ بأرقى الإمكانات اللغوية،ولتحقيق الرغبة في الاقتراب من النصوص الإبداعية والكشف عن شفراتها وأسرارها الجمالية ارتأينا البحث في مرحلة الدكتوراه في الأسلوبية والبنائية التي توجهت للنص كوحدة كلية دون الوقوف عند الجملة، مثلما كانت تفعل البلاغة القديمة ،فضلاً عن الابتعاد عن المعيارية والانتقال إلى الوصفية والتحليل فضلاً عن الرغبة في الوقوف عند بلاغة نهج البلاغة للكشف عن الخصائص الأسلوبية التي جعلته فوق كلام البشر ودون كلام الخالق، فضلاً عن أنَّ البلاغة والنقد  كانا متلازمين في تراثنا العربي ، فكلاهما يقوم على الأخر.

بعد رحيل كبار النقاد في العالم العربي، كيف يمكن الاطمئنان على مستقبل النقد؟

 بالتأكيد إنَّ غياب كبار النقاد مثل أ.د. علي جواد الطاهر، وأ.د. عناد غزوان، وأ.د. جلال الخياط  عن الساحة ترك فراغاً كبيراً ،إلاّ إنَّهم تركوا إرثاً نقدياً كبيراً في مجال التنظير والإجراء، ما زال حاضراً بيننا يعود إليه النقاد الذين تتلمذوا على الرعيل الأول، وأكملوا مسيرتهم ،لتبقى حركة النقد حاضرة وفاعلة وهي تواكب ما يستجد من مناهج نقدية حديثة دون الانقطاع عن التراث،فالخطاب النقدي مستمر ومتجدد يواكب حركة العصر والتحولات الاجتماعية والمعرفية، ليعيد انتاج نفسه بشكل جديد ،إلاّ إنَّ المشكلة تكمن في عدم التوازن بين حجم الإبداع بأشكاله المختلفة والجهد النقدي الذي يقدم على مستوى التنظير والاجراء الذي يتناول هذا الابداع.

ما الذي يميّز جيلكم النقدي عن الأجيال التي سبقته؟

قضية التجييل من المسائل الخلافية في الإبداع (الشعر والسرد) وهي في النقد غير واضحة الملامح بسبب تداخل الأجيال، فضلاً عن أنَّ التجارب النقدية هي من تفرض نفسها ،لكن ما يسعدنا أنَّنا عاصرنا نقاداً فتحوا آفاقاً جديدةً ومهمةً على مستوى التنظير والإجراء مثل أ.د.علي جواد الطاهر، وأ.د. عناد غزوان وأ.د.جلال الخياط، وأ.د. عبد الإله أحمد، و أ.د.حاتم الصكر وأ.د.شجاع العاني، وأ. د.عبد الله إبراهيم، وصالح هويدي،  وبعضهم ما زال حاضراً وفاعلاً في الساحة النقدية، أما ما يميّز جيلنا فهو هذا الانفتاح عبر وسائل التواصل الذي جعلنا نختصر المسافات والوقت للوصول إلى المتلقي العربي عبر ما قدمته الثورة الرقمية للإبداع بأشكاله المختلفة ،وما نقدمه الآن يندرج في صلب المشروع النقدي العراقي على مستوى التنظير والإجراء.

بعد مسيرة حافلة بالنقد، هل يمكن أن تعطي القارىء الشغوف بهذا اللون من الكتابات أساسيات هذا الفن؟                                                                            

النقد لا يختلف كثيراً عن الإبداع الأدبي الشعر والنثر ،فهو أيضاً يعتمد على الموهب والذائقة والمعرفة بسمات الأجناس الأدبية المختلفة ،وقد يكون بعض النقاد ممن بدأوا بكتابة الشعر أو القصة ثمَّ وصل إلى قناعة بعدم امكانية الاستمرار في هذا المجال ليتحول إلى النقد ليوظف  تلك التجربة في امتلاك الذائقة التي يعدها الجرجاني شرطاً للتفاعل مع النصوص والإحساس بها، والكشف عن جمالياتها ،لذا يتطلب النقد الموهبة والذائقة والدربة أي الاستمرارية في قراءة النصوص وتفسيرها وتأويلها ،يضاف إلى ذلك ضرورة الإطلاع على المناهج النقدية، ودراسة مرجعياتها للافادة منها في الإجراء النقدي، لذا تعد المداومة على قراءة النصوص قضية أساسية للنجاح في تفكيك شفراتها  .

هل أوصلتك دراساتك البلاغية إلى سبب نزول القرآن الكريم باللغة العربية دون اللغات الأخرى؟    نزول القرآن بالعربية دفع بعض المشككين بعالميته وأنَّه مرسل للناس جميعاً ليسألوا  فيما إذا كان القرآن لكل البشرية ،و لماذا أنزل بالعربية، وليس غيرها الا أنَّ في العادة يكون نزول الكتب السماوية  بلغة الأمة التي يبعث فيها ولذلك قال الله عز وجل(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ) فضلاً عن أنَّ الكتاب السماوي يجب أن يكون بلغة الرسول الذي ينزل عليه،ليتمكن من ايصال الرسالة لقومه،يضاف إلى ذلك أنَّ العرب عرفوا ببلاغتهم، وقد اختار الله معجزة الرسول بلاغة القرآن ليثبت عجزهم أمام قدرة الله كما  أن  اختيار لغة قوم الرسول لا يعني أنَّ الدعوة تنحصر في من يتكلم بتلك اللغة كما أنَّ اللغة العربية هي لغة عدد من الأنبياء الذين كانوا يتكلمون بها ، و لقد جاء في بعض الروايات أن خَمْسَة أنبياء مِنَ الْعَرَبِ : هُودٌ وَ صَالِحٌ وَ شُعَيْبٌ وَ إِسْمَاعِيلُ وَ مُحَمَّدٌ (عليهم السلام ) فكل هذه الأمور مما ترجح و تدعم إختيار اللغة العربية لأن تكون لغة للقرآن الكريم.  

لديك دراسة عن أثر القرآن في تطوير البلاغة والنقد، فهل يمكن عد القرآن كتاباً نقدياً ؟

القرآن الكريم وهو الكلام المعجز الذي تحدى به الله عز وجل المشركين فقال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) وقد تجلت فيه أعلى درجات البلاغة مما دفع العلماء إلى البحث في أسرار إعجازه، مما نتج عن ذلك حركة في التأليف البلاغي والنقدي حاول فيها البلاغيون والنقاد أن ينظّروا في البلاغة والمصطلح البلاغي والمفاهيم البلاغية، فضلاً عن النقد والمصطلح النقدي ، إذن فقد كان القرآن الكريم عاملاً محفزاً لإرساء علم البلاغة فضلاً عن تأسيس الخطاب النقدي والشروع في تثبيت مصطلحاته ومناهجه.

ما السبب الذي دعاك إلى دراسة الجانب الإبلاغي في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر؟

للأسف لم يأخذ عهد الإمام علي(عليه السلام )حقه في الاهتمام والدراسة في مجالات متعددة كالسياسة والاجتماع والاقتصاد والأدب كونه نصاً نثرياً ،فهو دستور لدولة العدالة المنشودة الذي لو أتيح له التنفيذ لتحقق مجتمع فاضل ،وقد وقفنا في بحثنا المنشور في مجلة (قرطاس المعرفة) عند البعد الإبلاغي في خطاب العهد لأنَّه تضمن بعدين: الأول جمالي يحقق التأثير المنشود من خلال ما تضمنه من آليات وأدوات رفعت الخطاب الى مستوى بلاغي عالٍ ، والثاني توجيهي يحاول فيه الإمام توجه الحاكم والمحكوم إلى العمل بما يحقق العدالة والحرية والمساواة بين الناس ، وقد كان الحجاج حاضراً في الخطاب في محاولة من الإمام لإقناع الناس بما يقدمه من رؤى وأفكار، ومما  ورد في العهد  وصيته المشهورة لمالك بن الأشتر التي اختارتها الأمم المتحدة  لتكون إحدى شعاراتها التي يقول فيها : (لا تكن عليهم سبعاً ضاريا فهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).

في دراستك الأسلوبية والبنائية لنهج البلاغة، كيف ترد على المشككين بنسبة الكتاب للإمام علي عليه السلام ؟

في أطروحة الدكتوراه التي قدمتها في جامعة أم درمان الاسلامية في السودان عام ١٩٩٤م كنت قد استنرت بآراء أساتذتي الذين تتلمذت عليهم بشكل غير مباشر مثل الأستاذ الدكتور علي جواد الطاهر والأستاذ الدكتور عناد غزوان فضلاً عن  العلامة الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب المجذوب في السودان وقد باركوا الدراسة وأيدوا اختياري المنهج الأسلوبي  لأنَّه يحقق الأهداف التي أردنا تحقيقها المتمثلة بنسبة ما تضمنه النهج من نصوص للإمام علي (عليه السلام ) وبالفعل أثبتت دراستنا للخصائص الأسلوبية والبنائية للنهج بأنَّها سمة مهيمنة في جميع النصوص من خطب ووصايا وحكم ، وبذلك نكون قد وظفنا المنهج الأسلوبي في الكشف عن الخصائص الأسلوبية للنهج وبذلك نكون قد أثبتنا بشكل علمي صحة نسبة ما موجود في النهج للإمام علي ونزيل الشكوك في هذه النسبة ،علماً بأنَّها  كانت أول أطروحة تكتب عن نهج  البلاغة، وبعد ٢٠٠٣م ،توالت الدراسات في النهج  .

أيّ عصر من العصور يمكن عده أرقى بلاغياً؟

البلاغة العربية لم يقتصر ازدهارها على عصر ففي القرن الثالث الهجري برز الجاحظ بوصفه مؤسساً للبلاغة وفي القرن الثالث برز أبو هلال العسكري بوصفه منظرا ومفصلا في الفنون البلاغية ،وفي القرن الخامس اكتملت البلاغة بعلميها المعاني والبيان على يد الجرجاني في كتابيه (دلائل الاعجاز )و(أسرار البلاغة)إذ وصلت إلى أوج ازدهارها ، من خلال نظرية النظم التي اتخذها أداة للكشف عن إعجاز القرآن ، ثم تحولت البلاغة بعد ذلك إلى المنطق والتقسيم والشروحات في القرنين السابع والثامن على يد السكاكي والقزويني ، وفي منتصف القرن العشرين ظهرت الأسلوبية كعلم بديل عن البلاغة المعيارية ليتحول الاهتمام من البيت والجملة الى النص كوحدة كاملة، ثم ظهرت البلاغة الجديدة باتجاهيها:الحجاج البلاغي (بيرلمان) والحجاج اللغوي (ديكرو) .

بوصفك باحثاً في البناء الفني للقصيدة السياسية في العصر الأموي فما الزمن الذي تبلورت فيه  ملامح القصيدة السياسية شكلاً ومضموناً، وكيف يمكن ضمان عدم سقوطها في فخ المباشرة والخطاب الشعبي؟                                                                              

قد يكون للقصيدة السياسية جذور في عصر ما قبل الإسلام ،تمثل في  الشعر الذي نظمه الشعراء للدفاع عن القبيلة والتعبير عن مطالبها ،لكنها تبلورت واكتملت ملامحها في العصر الأموي بعد أن ظهرت الأحزاب السياسية: كالشيعة والزبيريين والخوارج والأمويين ،إذ أصبحت القصيدة تعبر عن النظريات السياسية للأحزاب، وهنا مالت القصيدة السياسية إلى الخطاب الأيديولوجي والتعبوي المباشر كونها كانت الناطق الإعلامي للأحزاب السياسية،إلا أنها لم تفقد شعريتها فقد حاول الشعراء الموازنة بين المقومات الجمالية والأهداف التعبوية ، فضلا عن أنها استعانت بأدوات الحجاج الجدل الذي يعزز أهدافها لتفنيد حجج الخصوم وتقديم الحجج التي تؤيد نظريتهم السياسية وأحقيتهم في إدارة الحكم إلا أنَّ المباشرة في الخطاب  كانت مقصودة أحياناً لأنها تحقق هدف الشاعر بأقصر الطرق إذ كانت القصيدة بمثابة البيان السياسي أو الصحيفة الرسمية للحزب التي تعبر عن آرائه و أهدافه.

مَنْ مِنَ الشعوب العربية تجده الأقرب إلى اللغة العربية الفصيحة؟

ليس انحيازاً أو تعصباً ،الشعب العراقي هو الأقرب لأنه يستطيع أن ينطق كل الحروف العربية  ،ولذلك تجده عندما يتكلم العربية الفصيحة تكون مخارج الحروف سليمة ،إلا أنَّ الأشقاء في البلدان العربية يصعب عليهم نطق بعض الحروف كالذال والجيم والقاف وغيرها فتحول الذال الى زاي والقاف الى الهمزة ، ومع ذلك فإنَّ الفصيحة قد تراجعت وإنَّ العامية هي السائدة الآن في الاستعمال وقد زحفت على المؤسسات الرسمية أيضاً.

درستَ ودرَّست في عدد من الدول العربية فما رأيك بمستقبل اللغة العربية بالنسبة للأجيال القادمة؟

 إنْ لم تلتفت المؤسسات الرسمية والثقافية والمعرفية فضلاً عن الأفراد الى التحديات التي تواجه العربية فإنَّ الخطر يداهمها من أكثر من اتجاه ،فقد تراجعت على مستوى الاستعمال والسلامة في المؤسسات الرسمية والخاصة ، يضاف إلى ذلك عدم تفعيل قانون السلامة اللغوية ،فنظرة  إلى أسماء المؤسسات والمحال التجارية تجد أن معظمها أعجمية وقد كتبت بالحرف العربي، علماً  بأنَّ العربية  الآن لغة عالمية رسمية اعتمدتها الأمم المتحدة، وخصصت لها يوماً للاحتفال بها وهو ١٨ كانون الأول، الا أننا اكتفينا بالاحتفال دون أن نؤسس لمشاريع تعيد للعربية مكانتها ،والعربية لغة عظيمة بما تمتلكه من عدد كبير من المفردات التي لا تمتلك مثلها أي لغة أخرى يضاف الى ذلك عدد من الخصائص التي جعلتها حيوية ومتطورة تستوعب الامور المستحدثة  ، ومما زاد من شرفها أنها كانت لغة القرآن الكريم آخر رسالة سماوية .                                                  

واكبتَ التطورات التقنية والتواصل عبر النت، فإلى أي مدى أسهمت هذه المنصات التواصلية في إشاعة اللغة السليمة؟

للأسف رغم ما تقدمه الثورة التكنولوجية ووسائل التواصل من فرص يمكن استثمارها للحفاظ على العربية ،الاّ أنها كانت أحد أسباب تراجع وتدهور العربية بعد أن ضاعت الضوابط التي يجب أن يلتزم بها من يكتب بالعربية ، لعدم وجود الرقيب، إذ يقع المستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي  في  أخطاء كثيرة بسبب استعمال اختصارات الكلمات غير المفيدة ،فضلاً عن الأخطاء الإملائية والنحوية والأسلوبية ، يضاف إلى ذلك الكتابة بما يسمى بـ “العربيزي” وهو استعمال الأحرف العربية والإنكليزية، مما يؤثر سلباً على مهارات اللغتين،وهذا يتطلب من المختصين بالبرمجيات توفير برامج التصحيح اللغوي من أجل الحفاظ على سلامة اللغة العربية وتنبيه المستخدمين على أخطائهم .

برأيك كيف ترى حال النقد وكيف تقيم النقد في المؤسستين الأكاديمية والثقافية ؟

النقد الأدبي في المؤسسة الأكاديمية تغلب عليه  المناهج التقليدية التي تقوم على الشرح والتلخيص المبتسر، واعتماد  الأحكام الانطباعية، والتقويم المعياري، أما المؤسسة الثقافية فإنَّها تعتمد المناهج النقدية الغربية ذات الطابع الحداثي دون الوعي يمرجعياتها الفلسفية فجاءت الدراسات موزعة بين التنظير المركز والتطبيق الذي يشبه التمرينات الرياضية  فضلاً عن حشوها بمصطلحات نقدية غريبة ومفاهيم غامضة يصعب على المتلقي استيعابها وهضمها لأنَّها أنتجت للتعامل مع النص الغربي رؤية وفلسفة ولتوظيفها للتعامل مع النص العربي يتطلب  اعادة انتاجها بطريقة تناسب ابداعنا العربي دون أن نقطع تواصلنا مع التراث النقدي العربي، فضلاً عن أنَّ السائد من النقد يدخل في باب الاخوانيات والمجاملات، ومما يجب الانتباه اليه هو ضرورةإعادة مد الجسور بين الناقد والمتلقي، من خلال عدم المبالغة في توظيف المصطلحات.

هناك مَنْ يرى أنَّ النقد الأدبي قد مات ليحل مكانه النقد الثقافي فهل توافق هذا الرأي ؟

لما كان النقد يتعامل مع النص الأدبي الذي هو بدوره نص جمالي ، فلا بدَّ أن تكون المقاربة الأساسية جمالية للكشف عن جمالياته، ولا ضير أن يفيد الناقد من بعض العلوم كالاجتماع والنفس، وغيرها في البحث عن دلالات بعض التراكيب والجمل الشعرية ، فالقراءة النقدية تقدم مقاربة إبداعية بالاحتكاك بالنص ، لتعيد إنتاجه بطريقة غير تقليدية، تقوم على التنظير والإجراءات على وفق مرجعيات معرفية وجمالية ،أما الدراسات الثقافية والنقد الثقافي فمنهجهما  يهدف الى استكشاف الأنساق الثقافية، فالنص الأدبي يرتبط بشكل عضوي بالثقافة لأنَّ الأدب أحد أشكال  الثقافة، والجمال الذي يفرزه هو  أحد صور الفكر، ليتحول الاهتمام من الصورة الجنالية  إلى القضية الثقافية ومن سياق البلاغة إلى فضاء الاجتماع، ومن نخبة التلقي  إلى جمهور المتلقين

فصلٌ من كتابٍ معدٍ للنشر، عنوانه (وجوهٌ في ذاكرة الأرض)                  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى