قوموا بوأد النساء فهذا خير لكم !

خالد جمعة | فلسطين

لماذا لا يقوم الرجال بقتل النساء طالما أن هناك قانوناً مجتمعياً يجرّم الضحية حتى بعد قتلها؟ وكيف يمكن أن تتوقف عملية القتل على خلفية الشرف طالما أن كلمة واحدة كفيلة بنزع شرف أي فتاة دون الحاجة للتحقيق في الأمر وتبيان بطلان الكلمة من صحتها؟
المجتمع يمتلك عقلاً يسمى “العقل الجمعي”، وهذا العقل يستمد سلطته من تكريس المفاهيم عبر طبقات الزمن، حتى لا يعود هناك مجال لمناقشتها أو نقضها، حتى لو كانت هذه المفاهيم منافية لتعاليم الدين، فمثلاً لا توجد مشكلة في أن يذهب أحدهم إلى الصلاة، ثم ينصب مجلس نميمة بعد ذلك، رغم أن الآية التي تجرّم النميمة واردة بالنص في القرآن الكريم “أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيتاً”، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ومن ضمن القضايا التي يتفاخر المسلمون بأن الإسلام قضى عليها، هي قضية وأد البنات، إضافة إلى أن الدين لله خالصاً، لا عشيرة ولا مكانة لأحد على أحد إلا بالتقوى، ولكن هذا ظل على سبيل المجاز منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، منذ قامت الدولة الأموية على أساس عائلي وعشائري وبعدها العباسية، ولم تختفِ النزعات القبلية كما دعا إليها الرسول العظيم.
أما مسألة وأد البنات، فقد اختفت من واجهة الفعل، إذ توقف الناس عن وأد بناتهم فور ولادتهن، لكن تحويلاً تم في الطريقة وليس في الفعل نفسه، من حبس المرأة في بيت أبيها ثم في بيت زوجها لاحقاً لتخرج إلى القبر بعدها، متناسين تلك النماذج المذهلة من النساء اللواتي كنّ على عهد الرسول أو بعده، فامرأة واحدة وقفت تدافع عنه يوم أحد حين فرّ أشجع الصحابة من بركان المعركة [أم عمارة ـ نسيبة بنت كعب]، ولعلنا نعرف شأن سكينة بنت الحسين التي كان لها مجلس أدب وعلم في بيتها، إضافة إلى آلاف الأسماء ممن كان لهن أعمدة في المساجد ويأتيهن طلاب العلم من كل مكان، لكن هذه النماذج بدأت تختفي تدريجياً في عصور انحطاط الدولة الإسلامية، لتعود المرأة إلى أقل ما كانت عليه في العصر الذي عرف بالجاهلي، ويتم تكميمها وتكتيفها عبر تفسيرات لنصوص لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما يلصق بها من تفسير.
ومن ضمن هذه القياسات بالطبع، قتل الفتاة على خلفية الشرف، فمن هو الذي أعطى القاتل الحق بالحكم على هذه الفتاة، وإن كان حكم عليها بأنها أخلت بالشرف، فمن قال إن العقاب هو الموت، وإن كان العقاب هو الموت، فمن قال إن من حقه إن ينفذ هذا العقاب بيده؟ ومن الذي يضمن من الأصل ألا يكون قاتل الفتاة هو الذي اعتدى عليها جنسياً فقرر أن يصلح خطأه بقتلها، فإذا لم يتوفر تشريح وتحليل طبي لمعرفة حالة المقتولة، فكيف لنا أن نقول إننا أهل عدل وإيمان؟
إن مجموعة الشيوخ الذين يدعون معرفة بالدين، يتسارعون ليفتوا في إرضاع الكبير وحيض المرأة والزنى والصيام والكفارة وغيرها، حتى أوصلوا العالم إلى مرحلة اعتقد فيها أن الدين الإسلامي نزل فقط من أجل أن يفتي في قضايا النساء، ولكن حتى في هذه الحالة، فإنني لم أستمع إلى شيخ واحد يحرم قتل المرأة على خلفية الشرف، أو على الأقل يحرم قتلها دون محاكمة، فإذا كان هذا مباحاً في الدين الإسلامي فلتقولوا لنا حتى نعيد النظر في الكثير من القضايا التي تندرج تحت بند مباح وغير مباح، دعونا نفهم أين أنتم من القضايا التي تعاني منها الأمة من الفقر والجهل والتخلف وتسلط الحكام باسم الدين على من لا حول لهم ولا قوة إلا إيمانهم بما يقول هؤلاء الشيوخ اعتقاداً منهم أنهم حاملو كلمة الله إلى الناس.
من شدة ما ركز هؤلاء الشيوخ على مسألة ضعف المرأة وانحيازها لشهوتها وخضوعها لها، ساهموا بشكل أساسي في خلق هذه الحالة من الغضب وعدم الرضا عند الرجال حين ترزق نساؤهم ببنات، لأن السيناريو المتوقع الذي يرسمه هؤلاء يبدو واضحاً، الفتاة ستجلب العار لأهلها، بمعنى آخر يغضب الرجل مقدماً على ما يتصور أنه سيحدث.
إن المسؤولية الأساسية تقع على التربية غير المسؤولة التي نتلقاها في مناهجنا، وتقع كذلك على كاهل القوانين التي تتسامح مع القتلة في هذه الحالات، وتقع على كاهل رجل الدين الذي ينظر بتعالٍ إلى هذه القضايا، والضحية في النهاية، فتاة لم تتفتح زهرتها على الحياة بعد.
وبالطبع لن يحاسب المجتمع رجلا ضرب زوجته “ليؤدبها”، سواء بعدد من الطعنات كما حدث في كفر نعمة قبل شهور، أو بكسر عظام صدرها كما حدث في غزة منذ أيام، فهي في النهاية امرأة، وقتلها لن يقدم أو يؤخر في مسيرة التحرير وقيام الدولة المستقلة، “مش فاضيين لهالقصص لأنو مشغولين بمعركة التحرير”.
إذا كان قتل البنات على خلفية الشرف شرعياً، فلماذا تنتظرون إلى أن تكبر البنات وتأتي بالفعل الذي يستوجب القتل؟ لماذا الانتظار ونحن نعرف النتيجة سلفاً، لماذا تربوهن وتصرفون عليهن وتدخلوهن المدارس من الأساس؟ فإذا كان القتل على خلفية الشرف شرعياً، فقوموا بوأد البنات يوم يولدن، فهو خير لكم من انتظاركم الطويل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى