دور المفاهيم التربوية المغلوطة على تراجع الدور الأسري في تهذيب الناشئة

أجدور عبد اللطيف

تتردد في مجالس الآباء والمربين على الدوام نقاشات مستفيضة حول الطرق الفعالة لتربية الأبناء، معظم هذه النقاشات سطحية بيزنطية وغير مجدية، هذا إن لم تمرر رسائل خاطئة في قضية بهذه الحساسية. غير أننا قد نعتبر هذه السجالات ظاهرة صحية، فلا يمكن تصور والد لا يشغله هذا الهم، وإلا قد يتساوى في ذلك مع الحيوانات التي لا يربطها مع صغارها غير العلاقة البيولوجية مع أنها لا تملك فعل ذلك بشكل واع عكس الإنسان.

يصر بعض الناس على مقارنة الطفل الأوروبي بنظيره الشرقي أو العربي – وبدرجة أقل طفل المدينة بطفل البادية – فالأول يتمتع بالعديد من الامتيازات المادية من ملبس ومشرب ومأوى ووسائل وتعليم وصحة جيدة وشروط رفاهية ذات مستوى عال وذلك يعود أساسا للظروف الاقتصادية والإجتماعية لتلك الدول لذا فالمقارنة هنا لا تعنينا، من جانب آخر توفر له عناية معنوية فائقة من أسلوب لين في الكلام وعطف واحتواء ودعم وحب بالغ وهنا شاهدنا، فمفهوم التربية اليوم أصبح يتلخص في عرف الأغلبية من الآباء – تقليدا للصورة النمطية المذكورة – في توفير المأكل والمشرب وأسباب الرفاه المادي – ولا يهم في ذلك الوسيلة ما دامت الغاية تبررها – وكذا تدليل الطفل وتذليل كل رغائبه بدعوى أن ذلك من الحنو عليه والرأفة به دون أدنى مراعاة لخصوصياته العمرية ولا النفسية ولا احتياجاته القيمية التربوية.

إن هذا المنحى الشاذ المغلوط أفرز آباء متجندين لتلبية لأي رغبة طفولية لأبنائهم وتزويدهم بكل ما يجعلهم في مظهر المتنعمين – ماديا – ولو على حساب متطلبات أهم، في سباق مجتمعي محموم نحو استعراض مظهري مقيت، يذهب ضحيته الأطفال الذين يشبون على مبدأ خطير هو إشباع النزوات بأي ثمن وركوب الطباع والرغائب حتى لو كانت غاية في القبح والفساد.

طبعا لا يلتفت الكثير من هؤلاء عن قصد أو عمد لتفصيل مهم وهو أن الطفل في المجتمع الغربي ينال من الصرامة والتوجيه بالحوار والتكرار والإقناع والقدوة، نفس ما يناله من الحنو واللين وهو ما يغفل أو يعجز عن الإقتداء به هذا الجيل الجديد من الآباء الذي يدعو للفضائل على عجل ويراود الرذائل على مهل على مرأى ممن يدعوهم ومسمع، هذا إن دعاهم أصلا إليها .

يترتب عن الإنفلات الذي أعقب هذا الخلط الفادح بين المفاهيم في التربية قيام جيل لا يعرف للوقار والإحترام سبيلا، لا مع آبائهم ولا جيرانهم ولا أساتذتهم فتجدهم يسبون ويشدون ويمدون أيديهم ويمرنون عضلاتهم في كل من سمحت له نفسه بالإشارة على فساد مسلكهم.

حقيق أن الطفل يحتاج رعاية وعطفا ماديا وكذا معنويا، غير أنه يحتاج بشكل أسبق للصرامة والحزم في فرز الخبيث من الطيب، وتفادي اللين في رفض ما تجر إليه النفس من نزوات وطبائع دنيئة لا تليق بطفل متعلم نرنو ليكون نموذجا للتهذيب والإستقامة والصدق والنزاهة والإلتزام، أما التراخي في ذلك بعاطفة أو وشيجة حنو فذاك منبع الإنحراف ومبدأ كل الظواهر الخادشة بصورة مجتمع منيع يسوده الإحترام والإنضباط، ونشير ختاما إلى أن حب الصغار لا يتنافى بحال مع تأديبهم، كما لا يتنافى ري الشتائل مع تقويم اعوجاج جدوعها وتصويب منحى أغصانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى