أضغاث صحوتي.. امرأتان

منال رضوان | مصر

اللوحة للفنان محمد رضوان 

لم أجرؤ – فيما مضى –  على استخدام الألفاظ الاحتجاجية الغاضبة والشديدة القسوة إذا ما انفعلت؛ كونها من محرمات البيت التركي المجدول بوشيج من عادات صعيدية وعبارات(لا يليق، ومايصحش، وعيب) والكثير من النواهي سابقة التجهيز والمعدة سلفًا لذوات قالب الضفيرة البيضاء والحذاء اللامع، وتهذيب مدارس الفرنسيسكان شديدة الحسم والإحكام والتي تطبق شعار التربية والتعليم بترتيب يكفل الحماية للطلاب والمجتمع فيما بعد على السواء..
فمنذ الأخت أندرينا التي أشرفت على اتقان أمي الفرنسية، مرورًا بالأخوات إلين وفيكتوريا وكلارا، وصولًا إلى الأخت (سعاد عزمي دانيال) ابنة أسيوط التي لا تجيد الابتسام، ولم تكن كسابقتها الأخت فيكتوريا، السورية الحلبية التي تتقن الموسيقى وتقضي أوقات الفراغ في تعليمنا رقصات مبتكرة أو عزف البيانو.
الأخت سعاد، والتي تماثلت مع أمي في الاسم كانت لا تفضل الغناء أو تدليل البنات؛ بل تنظر إلى سلوكياتنا متناولة إياها بتوبيخ دائم خاصة بعد أن تجاوزت إحدى الطالبات وأحضرت معها ذلك الاختراع المسمى (ووكمان)!
وعلى غرار فيلم شارع الحب، انقسم الصف الثالث الإعدادي إلى معسكرين، حيث تزعمت وصال معسكر محمد فؤاد، بينما تزعمت شيرين جبهة عمرو دياب، ذلك بالطبع قبل أن يتم إفشاء سر جهاز التسجيل إثر تكرار الخلاف بين الفتاتين.
كانت الأخت سعاد تماثل أمي اسمًا لكنهما مختلفتان في كثير من الصفات؛ فبينما كانت أمي هادئة صامتة تغير بفؤداها منكر أيامها من الخذلان، أو مبتسمة على طول طريقها الملآنة بالدموع، كانت الأخت سعاد على النقيض من ذلك،
وأذكر أن الموقف الوحيد الذي اشتركتا فيه كان واقعة أو موقعة (الووكمان)؛ فبينما صادرته الأخت سعاد من الفتاة ثم أعادته إليها عن طريق وكيلتها (ماسير أليزا) كي تظل محتفظة أمامنا بصورتها المهيبة، كان ذلك الحدث ذاته السبب في أن تشتري أمي لي هذا الجهاز الصغير عقب ملاحظتها إعجابي الشديد بفكرة التسجيل المسموع والذي ربما ذكرها ب”ترانزستور أيام زمان”، أحضرته ومعه ثلاثة أشرطة لزعيم أحد المعسكرين مع تحذير هادىء وحاسم بألا أذهب به إلى المدرسة ووجوب الالتزام بالتعليمات وإلا ستصادره جزاء عدم إلتزامي.
لقد اختيرت أمي لحياتها، بينما اختارت الأخت حياتها، وبغض النظر عن الاسم الذي يحمل تأويله مصادرة على المطلوب؛ لا أعلم من منهما كانت الأسعد، لكنهما على أية حال كانتا وجهان لعملة شديدة النقاء ومحبوكة الصقل وعميقة التأثير،
بقى أن أقول أنني وطوال العام الدراسي آثرت النأي بعيدا إلى جانب هادىء ملتزمة الحياد تجاه الصراع الديابي الفؤداي، واحتفظت لنفسي بانتمائي السماعي كي لا أغضب صديقاتي ذوات الأهداب الحالمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى