أيام عاصفات غبراوات

عليّ جبّار عطيّة | كاتب صحافي عراقي

أصبحت مصيبتنا المناخية عالمية بامتياز ؛ فالعراق هو أحد الدول الخمس المرشحة للتصحر، والتغير المناخي.
يأتي ذلك، والعالم يستعد للاحتفال باليوم العالمي للتصحر الذي يوافق في السابع عشر من شهر حزيران.
تشير التقارير إلى أنَّ ملياراً وخمس مئة مليون شخص يعيشون في ١١٠ دول يتأثرون بالتصحر الذي تعرّفه المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على أنَّه (تردي الأراضي في المناطق القاحلة، وشبه القاحلة والجافة نتيجة عوامل شتى طبيعية وبشرية، بما يؤدي إلى فقدان قدرة الأرض على الإنتاج الزراعي ودعم الحياة) .
وزارة البيئة في العراق حذرت من تزايد العواصف الرملية بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى ٢٧٢ يوماً في السنة لعشرين سنة مرجحةً أن تصل إلى ٣٠٠ يوم مغبر في السنة حين نصل إلى سنة ٢٠٥٠م لطويلي العمر طبعاً!
ترى هل نضرب الرقم القياسي بعدد الأيام المغبرة بعد أن حققناه في كثرة العطل الرسمية التي تجاوزت الـ ١٥٠ يوماً ؟
صارت أيامنا عاصفات،غبراوات فلا نحتاج إلى وصف الشخص السيىء بـ (الأغبر) فالكل كما يقول أبو العلاء المعري :
وَبَصيرُ الأَقوامِ مِثلِيَ أَعمى
فَهَلِمّوا في حِندِسٍ نَتَصادَم !
قد يتبادر إلى الأذهان حرب داحس والغبراء التي نشبت بين قبيلتي عبس وذبيان ـ وكانوا أولاد عمومة ـ ويقال : إنَّ سبب الحرب حصانان هما داحس والغبراء، فقد اتفق (قيس بن زهير العبسي) وكان اسم حصانه داحس مع (حمل بن بدر الذبياني) وكان اسم فرسه الغبراء على رهان قدره مئة من الإبل لمن يسبق من الفرسين.
كانت مسافة السباق كبيرة يستغرق قطعها صحارى، وغابات عدة أيام.
حرص حمل بن بدر الذبياني على كسب الرهان، ولو بالغش، فأمر بعض أتباعه بأن يختبئوا في تلك الشعاب قائلاً لهم : إذا وجدتم داحس متقدماً على الغبراء في السباق فردوا وجهه كي تسبقه الغبراء فنصبوا كميناً وقع فيه داحس، وفارسه ففازت الغبراء !
وحين تكشف الأمر في ما بعد وبانت الخديعة اشتعلت الحرب بين عبس وذبيان التي استمرت أربعين سنة.
لنعد إلى العواصف فهي أفضل من الحروب العبثية ! فما إنْ نخرج من عاصفة حتى ندخل في أخرى أشد منها.
قبل أسبوع دخلنا في العاصفة الترابية الثامنة منذ منتصف شهر نيسان الماضي التي بلغت شدتها في بغداد، والديوانية، وديالى،وكركوك .
أرقام وزارة الصحة عن حالات الاختناق الرسمية تعطي مؤشراتٍ على فئة المشمولين بالعواصف، وهم ممن دخلوا المستشفيات من كبار السن، وذوي الأمراض المزمنة والحصيلة عشرات الآلاف!
أُجلت الامتحانات ـ ليس بسبب تسريب أسئلة الرياضيات لطلاب الثالث متوسط ـ وعلقت الرحلات الجوية بسبب وصول مدى الرؤية إلى ثلاث مئة متر، أو أربع مئة متر.
يقال : إنَّ المصيبة إذا عمت هانت !
بحثت في الأخبار عن نظائر للمحنة البيئية العراقية.
في الكويت، ما يشبه ذلك فقد عُطّلت الدراسة وأوقفت حركة الطيران لنحو ساعة ونصف الساعة، قبل أن يُسمح للطائرات بمواصلة الإقلاع والهبوط، وأعلنت مؤسسة الموانىء الكويتية إيقاف حركة الملاحة البحرية مؤقتاً في موانئها الثلاثة نتيجة لسوء الأحوال الجوية.
وفي السعودية غطت سحب الغبار الأصفر العاصمة الرياض، ومناطق شرق وغرب البلاد، وحجبت سحب الغبار الكثيفة الرؤية، وبات من الصعب تمييز أبراج منطقة وسط الرياض ومن بينها برج المملكة العملاق من مسافة أقل من ٥٠٠ متر، وباتت حركة السير بطيئةً في الرياض بسبب صعوبة الرؤية.
في إيران، أغلقت الإدارات الحكومية والمدارس والجامعات في الكثير من المحافظات بسبب ما وصف بـ (الطقس غير الصحي)، والعواصف الرملية، وكذلك علقت بعض الرحلات الجوية في مطارات جنوب وجنوب غرب البلاد.
عدتُ إلى مقال علمي كتبه الدكتور وحيد محمد مفضل (دكتوراه في الدراسات البيئية) عنوانه (عولمة التصحر.. الأسباب والتداعيات) نشر في موقع (الجزيرة) في ٢٠١٤/٤/٣٠م وهو يُرجع أسباب التصحر إلى عوامل عديدة طبيعية وبشرية. وتتمثل الأسباب الطبيعية في تفاقم ظاهرة التغير المناخي، وتناقص تساقط الأمطار، وزيادة موجات الجفاف ومعدلات انجراف التربة وتملحها. كما تسهم أيضاً حرائق الغابات، وزحف وطغيان الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية، والمناطق الرطبة في تقليص المساحات الزراعية، وزيادة نسبة التصحر.
أما الأسباب البشرية فيراها تتمثل في الضغوط الناتجة عن الزيادة السكانية، والممارسات الخاطئة، وغير المراعية لقدرات النظم البيئية وطبيعة التربة، مثل : الرعي الجائر، وتجريف التربة الزراعية، وإزالة الغابات، وتحويل المجاري المائية، وأنشطة التعدين، وردم أو تجفيف المسطحات المائية.
ويضيف : يمكن أن تؤدي الحروب، والعمليات العسكرية، والصراعات القبلية وغيرها من النزاعات المسلحة إلى زيادة وتفاقم ظاهرة التصحر، وهذا من واقع المهام الدفاعية والهجومية التي تتخللها، مثل :حفر الخنادق وزرع الألغام، وتفجير المنشآت، وغير ذلك.
ويمثل أيضاً تجفيف الأراضي الرطبة، وتجريف الأراضي الزراعية لصالح المشروعات التنموية، وبناء المساكن، والمناطق العمرانية، عاملاً مهماً ومؤثراً في زيادة نسبة التصحر. والأمثلة كثيرة على هذا، فمنطقة الأهوار بالعراق -وهي واحدة من أهم المناطق التاريخية، وتعد في نفس الوقت من أغنى المناطق الرطبة من حيث الإنتاجية والتنوع البيولوجي- تعرضت مناطق كثيرة فيها للتصحر، وتقلصت مساحتها إلى أقل من ٧٪ من المساحة الأصلية التي كانت عليها في سبعينيات القرن الماضي، بسبب التجفيف المتعمد، وقطع مصادر المياه عنها، وغير ذلك من الممارسات البشرية الخاطئة.
قلتُ في بدء المقال :إنَّ مصيبتنا صارت عالمية لذلك لم أُدهش حين كتبت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مؤخراً :بأنَّ العراقيين يختنقون تحت غطاء من الغبار، بينما تجتاح العواصف الرملية البلاد، حيث كانت السماء البرتقالية إيذاناً بيوم آخر مليء بالأتربة لملايين العراقيين. في وقت يقول فيه الخبراء : إنَّ المزيد من العواصف في الطريق، وأنَّ موجة العواصف الرملية التي لا تهدأ في العراق هذا العام تسببت في وقف الرحلات الجوية، وغطت المدن، والبلدات بالغبار البرتقالي، وأرسلت مئات العراقيين إلى المستشفيات بسبب مشاكل في الجهاز التنفسي.
ونقلت الصحيفة نفسها عن عالم الآثار الجيولوجية في جامعة القادسية الدكتور جعفر حمزة الجوذري، قوله: إنَّه من المتوقع هذا العام أن تضرب نحو ٢٠ عاصفة رملية العراق،مشيراً إلى أنَّ العواصف الرملية أصبحت سمةً منتظمةً لتنبؤات الطقس التلفزيونية في العراق، فزيادة العواصف الرملية يمكن أن تسبب مشاكل في الجهاز التنفسي، وحوادث الطرق والتغيرات في الاقتصاد – مما يدفع الناس إلى التفكير في الهجرة بعيداً عن المناطق الغربية الأكثر جفافاً في البلاد.
وتابع: إنَّ الغبار والرمال التي تشكل العواصف قادمة من الصحاري في العراق، وكذلك من مناطق أبعد في شمال إفريقيا، وشبه الجزيرة العربية. وأضاف: إنَّ سوء إدارة المياه السطحية والجوفية في تلك المناطق، إلى جانب الاضطرابات في الصحاري الناجمة عن الزراعة وحركة الناس، ساهم في حدوث المشكلة.
وأشار إلى أنَّ البلاد بحاجة إلى تغيير إدارتها للمناطق الصحراوية، والزراعة لتخفيف تأثير العواصف ، والقيام بأشياء مثل الاستثمار في المزيد من النباتات المحلية، وتقليل استهلاك المياه الجوفية بشكل كبير مبيناً أن المباني تتطلب أيضاً ترقيات لتحمل تأثير العواصف الرملية.
أما المسؤول في مركز (وسم) الأردني للأرصاد الجوية المتخصص في طقس المنطقة العربية حسن عبد الله فيقول : إنّ العواصف الترابية باتت أكثر قوة من قبل، وتوقّع أنّ تزداد قوة هذه التغيرات المناخية خلال السنوات المقبلة في المنطقة، والتي يجب على السكان التأقلم معها، مشيراً إلى ضرورة زراعة الأشجار بشكل أفضل ومعالجة انخفاض مستوى نهري دجلة والفرات بشكل عاجل لمواجهتها.
وترى وزارة البيئة العراقية أنَّ الحل يتمثل بزيادة الغطاء النباتي، وزراعة أشجار كثيفة.
أتذكر مقترحاً طرحه الدكتور ضياء نافع قبل سنوات عن تبرع كل مواطن بزراعة شجرة واحدة، يا ترى لماذا لم يؤخذ بهذا المقترح العملي؟
قبل أن أنهي المقال الذي كتبته تحت تأثير عاصفة مغبرة مر في ذهني هذا التساؤل :
لا أدري في أية مناخ عاصف كتب نزار قباني مقطع قصيدته التي يقول فيها :
وبرغم الريح
وبرغم الجو الماطر والإعصار
الحب سيبقى يا ولدي أحلى الأقدار !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى